
محمد أشرف مشاط
طالب باحث بسلك الدكتوراه
نائب رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والسياسات العمومية.
طبقا للفصل 65 من الدستور المغربي الذي ينص على انه ” يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل.” وعليه افتتح جلالة الملك محمد السادس الدورة الاولى من السنة التشريعية الاولى من الولاية التشريعية العاشرة، يومه الجمعة 12 محرم 1438 ه الموافق 14 أكتوبر 2016م، حيث القى خطابا ساميا امام اعضاء مجلسي البرلمان.
قبل تحليل أهم مضامين الخطاب الملكي وجبت الإشارة الى ان أهم ما أصبح يميز الخطب الملكية في الآونة الاخيرة، كونها قد أصبحت تتميز بسمات جديدة لم يألفها المواطن من قبل، لكون هذه الخطب أصبحت متجددة تتماشى وروح العصر، بل وتحمل في طياتها حمولات سياسية واقتصادية واجتماعية بلغة سلسلة وواضحة يفهمها الغني والفقير وتتسع لتذوقها الجميع.
و بالرجوع الى الخطاب الملكي لافتتاح السنة الاولى من الولاية التشريعية العاشرة الاخير نجده لا يخرج عن الخط التحريري للخطب الاخيرة المتميز بالواقعية والجدية في معالجة العديد من الاختلالات التي يعيشها المجتمع المغربي ، بل سنجد هذا الخطاب الاخير تحدث بلغة صريحة وصادقة، أراد الملك من خلاله تعرية الواقع الذي لا زالت تعيشه مجموعة من القطاعات الحيوية التي تعتبر قاطرة للتنمية خاصة القطاع الإداري و خاصة الشق المتعلق بعلاقة المواطن بالإدارة، نظرا لما يعرفه من اختلالات تؤثر بشكل أو باخر على باقي القطاعات الاخرى. فقد كان خطاب الملك “خطابا إصلاحيا وبنبرة خاصة وأسلوب يندرج ضمن الجيل الجديد للخطب الملكية”.
عدة رسائل حملها الخطاب الملكي لافتتاح السنة الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، والتي كانت موجهة لكل من الحكومة والبرلمان والفاعل السياسي. حيث ركز جلالته في خطابه على نقطتين أساسيتين: أولهما التأكيد على التشبث بالخيار الديمقراطي كثابت من الثوابت الدستورية القائم على أساس التعددية الحزبية المنصوص عليها منذ إقرار أول دستور سنة 1962 إلى دستور2011. النقطة الثانية، والتي احتلت حيزا مهما في الخطاب الملكي، فيتمثل في علاقة المواطن بالإدارة المغربية، وهو ها سنتناوله بالتحليل من خلال مساءلة هذه العلاقة انطلاقا من مستويين اثنين: الأول يشخص واقع الإدارة من خلال الوقوف على مكامن الخلل، أما المستوى الثاني فيركز على سبل تطوير الإدارة المغربية لتحقيق النجاعة الإدارية.
أولا: سلبيات الإدارة المغربية حسب الخطاب الملكي
تطرق الخطاب الملكي لأبرز الإكراهات التي تعتري المواطن في علاقته بالإدارة والتي يمكن تلخيصها في:
1.نزع الملكية: فالمواطنون يعانون في ظلها من مجموعة من المشاكل وذلك راجع الى ان الدولة لم تقم بتعويضهم او أخرت تعويضاتهم او تعويضاتهم كانت قليلة، ودعا جلالته الى ان نزع الملكية لا يجب ان تكون إلا في حالات معينة منها ضرورة المصلحة العامة القصوى، وان يتم التعويض طبقا لأسعار المعمول بها.
2.ضعف الأداء داخل الإدارة وتعقيد المساطر الإدارية: فبالرغم من المجهودات التي بذلت لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار حيث تم إنشاء المراكز الجهوية للاستثمار والاستعانة بالشباك الوحيد، غير أن الملاحظ وهو وجه المفارقة، أن هذه الآليات المرصودة لتحقيق خدمات القرب، ومعالجة الصعوبات التي تعترض المواطن والمستثمر على حد سواء، أصبحت هي نفسها عائقا في وجه مرتفقيها، الأمر الذي أثر سلبا على مردودية الإدارة، وبالتالي على علاقتها مع المتعاملين معها. والأكيد أن هذه العراقيل تنعكس على جاذبية الاستثمار بصفة خاصة، وعلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة، حيث أن انحلال الإدارة وتخلفها عن التعامل مع المواطن والمستثمر تحت يافطة البيروقراطية يتسبب في فقدان الثقة في هذه الأخيرة.
3.تأخير تنفيذ الأحكام القضائية: حيث تبرز اشكالية عدم تنفيذ الاحكام القضائية والخاصة المتعلقة في مواجهة الإدارة.
4.الشطط في استعمال السلطة والنفود: حيث أبرز جلالته انه منتشر في العديد من الإدارات مما يؤدي الى طول اجل منح بعض الوثائق للمواطنين.
5.غياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين: حيث أكد جلالته على ضرورة تدبير شؤون المواطنين باعتبارها أمانة جسيمة ومسؤولية لا تقبل التهاون ولا التأخير، كما دعا الى خدمة المصلحة العامة وعدم استغلال التفويض الذي منحه المواطن لتدبير الشأن العام في المصالح الشخصية والحزبية.
ثانيا: أسس الإصلاح الإداري حسب الخطاب الملكي
تضمن الخطاب مجموعة من المداخل الأساسية لتأهيل الإدارة المغرية وتشمل:
1.دعم مبدأ التنظيم اللامركزي من خلال إعادة النظر في مهام الإدارة على ضوء الرؤية الجديدة لإعداد التراب القائمة على اللاتركيز واللامركزية والجهوية المتقدمة.
2.ترسيخ قيم وأخلاقيات المرفق العمومي كدعامة أساسية لكسب رهان الإصلاح الإداري وتفعيل برامج التحديث.
3.تأهيل الرأسمال البشري على اعتبار أن تحديث الإدارة العمومية يبقى دون فعالية إن لم يتم الارتقاء بوسائل تدبيرها، وخاصة الموارد البشرية.
4.تبسيط المساطر والإجراأت الإدارية لعموم المواطنين والمستثمرين، إذ من شأن هذا الإجراء إنعاش الاستثمار وتحقيق التنمية.
إن دور الإدارة أصبح أساسي، لكونها أداة للديمقراطية والتنمية، كما أنها أداة لحماية حقوق المواطن وخدمته، فإذا كان الموظف داخل الإدارة لا يستطيع أن يقضي حاجيات هذا الأخير فكيف للمواطن العادي أن يقوم بهذا، لذا أصبح الاعتقاد أن إصلاح الإدارة وإنشاء الإدارة المواطنة هو أمر ملح، ولا شك أن هذا التوجه سيساهم في الانتقال من إدارة تقليدية نحو إدارة حديثة مواطنة عبر التأسيس لثقافة المرفق العام.
