توصّل المجلسُ الاقتصاديّ والاجتماعي والبيئي، بتاريخ 24 ماي 2014، بإحالة من مجلس المُستشارين، بهدف فحْص مشروع القانون رقم 12-86، المتعلّق بعقود الشّراكة بين القطاعيْن العام والخاص، والإدْلاء بملاحظاته ومُقترحاته في الموْضوع.
يعرّف مشروعُ القانون الجديد عقْدَ الشّراكة بين القطاعين العام والخاص باعتباره عقْداً طويلَ الأَمَد، يعهدُ بموجبِه الشخصُ العامّ إلى شريكٍ خاصّ مسؤوليةَ القيام بمهمّة شاملة تتضمّن التصْميم والتمْويل الكليّ أو الجزْئي والبناء أو إعادة التأهيل وصيانة أو اسْتغلال مُنشأة أوْ بنْية تحتيّة ضروريّة لتوفيرِ مَرْفق عموميّ.
يتجلّى الهدفُ المعلَن منْ وراء هذا القانون تعزيزَ توفيرِ مرْفق عموميّ وبنيات تحتيّة إداريّة واقتصادية واجتماعية ذات جوْدة تتوافق مع إكراهات الموارد المالية العمومية، وتزايُد حاجيات وضروريات التنْمية المحلية؛ وكذا الاستفادة من القدرات الابتكاريّة للقطاع الخاصّ وتمْويله لإنجازِ مشاريع عُمومية، وتطوير ثقافة جديدة لتدْبير الصّفقات العمومية، ترتكز على التقييم القبْلي للحاجيات، وتحليل حُسن الأداء، والتحكّم في الكلفة ومُراقبة الإنْجازات. إضافة إلى ضمان توفير الخدمات وفعْليّتها وجودتها، وتسديد كلفتها بحسب معايير حُسن الأداء.
وإذا كانتْ هذه الأهدافُ المرْسومة محمودةً وجيّدةً، فإنّ عقودَ الشراكة بيْن القطاعيْن العامّ والخاصّ، مع ذلك، تثيرُ عمليّاً عددا من المخاوِفِ أبْرَزها:
- أنّ بعضَ المنزلقات التي عَرَفها التدْبير المُفوَّض، وغيابَ تقييم موضوعيّ، إلى حدّ اليوم، لصيغِ الشراكة هذه بين القطاعيْن العامّ والخاصّ، عاملان لا يدفعان المرْءَ إلى الاطمئنان إلى هذه الصيغة الجديدة من صيغ الشراكة؛
- أنّ توسيعَ اللجوء إلى شركاء خواصّ في مجالات تُعتبر اسْتراتيجية، وتنتمي إلى وظائف تقعُ مسؤوليتها على عاتق الدوْلة، كالتعليم والصّحّة، تطْرح مسألة الضمانات التي ستقدّمها الدولة بخصوص الوُلوجيّة والإنصاف المستقبلي إلى هذه الخدمات بالنسبة للمواطنين؛
- وبصفة عامّة، فإنّ توسيع نطاق تدخّل القطاع الخاصّ ليشمل خدماتٍ عموميةً يمكنُ أنْ يُنْظرُ إليه، إذا لمْ يُؤَطّرْ التأطيرَ المُحكمَ والكافي، كنوْعٍ من الخوْصصة وتملّص للدوْلة من مسؤولياتها، مع ما يستتبع ذلك من خطر اجتماعيّ يتهدّد، في الوقت نفسه، المُستخدمين والمواطنين؛
- ليست المصلحةُ الاجتماعية لهذه الآلية هي التي توجدُ في المعادلةِ فحسب، بلْ مصلحتها الاقتصادية كذلك، مع ما يرتبط بها من تخوّفٍ من عدمِ صُمود والمقاولات الوَطنية، وخصوصاً المقاولات الصغرى والمتوسّطة، في وجْهِ المجموعات الاقتصادية الأجنبيّة الكُبرى التي تفوقُ قدراتها التقنية والمالية والقانونية حتى قدرات الدولة في بعض الأحيان.
- وأخيراً، فإنّ الأسس التي لها علاقة بالميزانية، أيْ التزام الدولة الذي قدْ يمتدّ إلى 50 سنة، تطرح مسألة الاستقرار الميزانياتيّ، واستقرار المدْيونيّة العمومية على المدى المتوسّط والطويل الناتجة عن هذه الوسيلة التمويليّة؛
- إنّ غياب رؤية موحَّدة متوسّطة وبعيدة المدى حول الاستعمال ومشاريع الشّراكة بين القطاعيْن العامّ والخاصّ، وبالتالي خطر استعمال غير مقيَّد، من شأنها زرْع الغموض والمخاوف حول سائرِ هذه النقاط؛
ومن ثمَّة، إذنْ، فإنّ الفائدةَ المُنتظرة من عُقُود الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ، لا يمكنها أنْ تتحقّق كاملة إذا لمْ نأخذ في الاعتبارِ العواملَ التي تُعتبر بمثابة نقط خطر في القانون. وإذا كانْ عقود الشراكة بين القطاعين العامّ والخاص ممارسة موجودة منذ زمن بعيدٍ في بلادنا، فإنّ الإطار التشريعي قيْد التحضير ينبغي أن يؤطّرَ هذه الممارسة، عبْر ضمان مصالحِ المُواطنين، ومصلحة الاقتصاد الوطني ومكوّنها المتعلّق بتنمية المقاولات المحلّية، وأنْ يحْرصَ على أنْ تظلّ الدولة هي المسْؤول الوَحيد والنهائيّ على وُلُوج المواطنين إلى الجوْدة وإلى الخدمات الاجتماعيّة؛
وعوض الانكباب على مدى وَجَاهة أو عدم وجاهة لُجوء الدولة إلى إبرام عقود الشراكة بيْن القطاعيْن العامّ والخاصّ، وهو الأمر الذي يعود إلى قرارٍ حكوميّ وتنفيذيّ، فإنّ المجلسَ الاقتصاديَّ والاجتماعي والبيئي اقتصر، في إبداء رأيه، إذنْ، على تحليلِ أحكام ومقتضياتِ مشروع القانون، والانكباب على تقديم إجابات، من خلال توصياته، تهمُّ مختلف الرّهانات التي لها علاقة بعقود الشراكة بين القطاعيْن العامّ والخاصّ. لهذا السبب أعطى المجلسُ الأولويةَ للتوْصيات الكفيلة بحماية المواطنين والنسيج الاقتصاديّ الوطنيّ والمال العامّ، مع ما يستتبعُ ذلك من آلياتٍ للحَكامة تسمحُ بممارسة الضبْط والمراقبة طيلة مراحل تنفيذ المشْروع وإعداده وإطلاقه، وذلك من خلالِ الاستفادة من تجاربنا السابقة، ولا سيّما ما يتّصل بالتدبير المفَوَّض، ويتمثّل ذلك في العناصر التالية:
ü تضْمينُ القانون المبدأَ الأساسيَّ لضمان المحافظة على حقوق المواطنين والمرتفقين في في إطار عقود الشراكة بيْن القطاعيْن العام والخاصّ؛
ü تعزيز مرحلة التقييم القبلي، مع مَأْسَسَة الهيْئة التي تتولّى الإشراف على إعداد الملفات وتقييم النّجاعة الاقتصادية ( وَجاهة اللجوء إلى عقود الشراكة)، وترسيمها على أعلى مستوى في الجهاز التنفيذي، واتخاذ قرارٍ جماعيّ، بتنسيق مع المجتمع المدنيّ، يكون مبَرَّرا بكيفية لائقة ومُعلنا عنه. فاللجوءُ إلى عقود الشراكة بين القطاعيْن العام والخاص ينبغي أنْ يكون مبرّرا ومحفَّزًا أساساً بالتحسينِ الهامّ في جوْدة الخدمات، وتعقيد المشروع، أو نجاعته الاقتصادية(بالمقارنةِ مع تدبير الدولة أو مع أشكال أخرى للصّفقات العُمومية)؛
إنّ تعزيزَ القدرات التشريعيّة والمالية يُعدُّ مسألة ضرورية في هذه المرْحلة، مع إمكانيةِ اللجوء إلى هيْئات أجنبيّة؛
ü تأطيرُ وتطوير استراتيجيّة خاصّة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص (بما فيها العقود) تكونُ بمثابة رؤية شموليّة تسمح بتوفيرِ وضوحٍ في الرّؤْية بخصوص المشاريع المُبَرمجَة، وإدْراجها ضمن منْطقٍ تنمويّ طويل الأمد، وتخوّل للمقاولاتِ الوطنيّة بالتهييء لها؛
ü إدراجُ الأفْضليّة الوَطنية، وخلق القيمة الوطنيّة المُضافة، باعتبارهما من الضروريات التي تجعلُ النسيج الاقتصادي الوطني، وبالتالي الاقتصاد المغربيّ، تستفيدُ من ديناميّة هذا النوْع من العقود الجديدة؛
ü وتعزيزُ البُنُود المتعلقة بتغطية الخطر الاجتماعي (المتعلق بوضعيّة المستخدمين وباحترامِ قانون الشغل، تحت طائلة فسخ العقدة أو العقوبات): لذلك يجب ضمان المكتسبات الاجتماعية للمستخدمين واحترام قانون الشغل؛
ü إرساءُ مبادئ الشفافية والمُحاسبة، من خلال:
o خلقِ هيئة مستقلة لتقييم عقود الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، التي تُشركُ عن طريق الاستشارة، القطاعَ الخاصّ والهيئات المهْنية والنقابات والمجتمع المدني، ويمكن أنْ تتولّى، في الوقت نفسه، تقييم كلّ مشروع على حدة، والتقييم الإجمالي للاستراتيجية المتّبعة في إطار عقود الشراكة بين القطاعية العامّ والخاصّ، وذلك حرْصاً على استدامةِ ميزانية عقود الشراكة بين القطاعيْن العامّ والخاص على المدى المتوسّط والقصير، وتفادي المديونية العمومية المتصلة بهذه العقود، وكذا تتبّع الأثر الاجتماعيّ على خلق فرص الشغل ونجاعة الخدمات التي يتمّ توفيرها، مع إشهارٍ للمعلومة ولعملية التقييم.
o تسهيلِ ولوج مختلف الفاعلين، بما فيهم الفاعلين الممثّلين للمجتمع المدنيّ، إلى المعلومات المُتعلقة بالمشاريع، بدْءًا من إطلاقها إلى المصادقة عليها وتنْفيذها.
للإطلاع على رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشروع القانون رقم 12-86 المتعلق بعقود الشراكة بيْن القطاعيْن العام والخاصّ
https://docs.com/lejuriste-ma/6992