“… والإثبات في المواد الجنائية محكوم بقواعد خاصة تجعل له ذاتية متميزة تنعكس على قواعده على نحو يجعل له نظرية مستقلة عنه في فروع القانون الأخرى سواء من حيث عبئه أو أدلته، وهدف الإثبات فيالإجراءات الجنائية هو البحث فيما إذا كان من الممكن أن يتحول «الشك» إلى «يقين»، وتستهدف قواعد الإثبات تمحيص هذا «الشك»، وتحري الوقائع التي انبعثت عنها، والقول في النهاية إذا كان قد تحول إلى «يقين» تبنى عليه الإدانة، أم أن ما أمكن الوصول إليه بتطبيق قواعد الإثبات لم يفلح في ذلك، فبقى الشك على حاله، ومن ثم تستحيل الإدانة.
والإثبات بالوسائل التقليدية المعمول بها وفقا لقانون المسطرة الجنائية سواء التشريع المغربي أو القوانين المقارنة ، يقتضي البحث عن الأدلة باستخدام الأفكار العامة والقواعد المرتبطة بالبحث والاستدلال غايتها إقناع القاضي الجنائي بالإدانة أو البراءة، على اعتبار أن الإثبات يتحكم في مصير الدعوى العمومية.
ويعتبر مبدأ الاقتناع الصميم بين قاضي الموضوع وقاضي التحقيق من المبادئ الراسخة في مجال الإثبات الجنائي، وقد نص عليه المشرع الجنائي المغربي في المادة 286 من ق .م.ج، ومفاده أن القاضي الجنائي لا يقيد مسبقا بوسائل محددة للإثبات المعروفة، بل يترك الأمر إلى وجدانه وإلى اطمئنانه الداخلي بالاقتناع بثبوت الواقعة المعروفة عليه أو عدم ثبوتها ….”
