الفصل الثاني: طرق الطعن في دعوى التحفيظ وتنفيذها
انطلاقا من أنالأحكام تصدر عن القضاة المعرضين للخطأ فإن من العدل أن تعطى للمتقاضين وسيلة تمكنهم من تفادي الخطأ والعيوب التي قد تشوب الأحكام الصادرة عنهم، تأتي إمكانيةطرق الطعن،وهي وسائل القضائية اختيارية، الذي نظمها القانون لمصلحة المحكوم عليه، للاعتراض على الحكم الصادر ضده، بهدف إلغائه أو تعديله، وتشكل هذه الوسائل ضمانة هامة للمتقاضين من أجل استدراك ما شاب الحكم القضائي من أخطاء مادية أو قانونية، من خلال منحهم فرصة طرح النزاع من جديد على القضاء[132].
وما دامت الأحكام تصدر عن القضاة بمختلف درجات التقاضي، فلا بد من إتاحة للمتقاضين إمكانية الطعن،فقد نص ظهير التحفيظ العقاري من خلال الفصل 109 منه،[133] على طريقتين للطعن في الأحكام الصادرة في قضايا التحفيظ العقارية، وهما الطعن بالاستئناف والنقض، واستبعدا باقي طرق الطعن، مما يستدعي الوقوف على فلسفة المشرع من وراء استبعادها، وما إذا كان هذان الطرق المنصوص عليها يكفيان لوحدهما فتح منحى للتقاضي بالنسبة لأطراف دعوى التحفيظ، خاصة أمام نظام يمنح الحجية المطلقة لقرار التحفيظ.
وإذا كان ظهيرالتحفيظ العقاري قد نص على الطعن بالاستئناف، فإن ذلك ينبغي أن يكون ضمن خصوصيات ظهير التحفيظ كما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 41 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، ذلك أن شكل تقديم الاستئناف يخضع لمقتضيات الفصل 141من قانون المسطرة المدنية، كما أن المستأنف غير ملزم بالإدلاء بأسباب استئنافه إلا بعد إنذاره من طرف المستشار المقرر من خلال ما نص عليه الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14.[134]
وفيما يتعلق بالطعن بالنقض فإن ظهيرالتحفيظ العقاري قد حسم الإشكالية الجوهرية المطروحة قبل التعديل بالقانون 07-14، ويتعلق الأمر بمفهوم قضايا التحفيظ المنصوص عليه في الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية، الذي أثار نقاشا فقهيا وقضائيا، وذلك من خلال الفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري، الذي جعل هذا المفهوم يتسع ليشمل المرحلة السابقة لتأسيس الرسم العقاري، والمرحلة اللاحقة له، كما حسم مسألة أجل الطعن بالنقض، حيث تمت الإحالة بخصوص على قانون المسطرة المدنية بمقتضي الفصل 47 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14[135].
وإذا كان إصدار الأحكام ليس هو الغاية المتوخاة من اللجوء إلى القضاء، بل الهدف هو تجسيد هذه الأحكام إلى واقع ملموس، فإن ذلك لن يتسنى إلا بتنفيذ هذه الأحكام، ومسألة تنفيذ الأحكام القضائية في قضايا التحفيظ تختلف عن نظيرتها في القضايا العادية، ذلك أن هذه الأخيرة تتم من طرف كتابة ضبط المحكمة مصدرة الحكم، وذلك بناء على طلب من المستفيد من الحكم كما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 429 من ق. م. م، بخلاف دعوى التحفيظ التي يتم فيها تنفيذ الأحكام من طرف المحافظ العقاري، الأمر الذي يطرح صلاحيته لمراقبة هذه الأحكام شكلا وجوهرا، استنادا إلى ما يمليه عليه ظهير التحفيظ العقاري، الذي ألزمه بمراقبة مستندات التقييد تحت طائلة مسؤوليته[136]، مع خضوع قراره الرافض لتنفيذ هذه الأحكام للرقابة القضائية.
بمجرد استنفاذ الحكم الصادر في نزاع التحفيظ لطرق الطعن المنصوص عليها، تأتي مرحلة تنفيذه والتي أسندها ظ. ت. ع إلى المحافظ العقاري، على خلاف تنفيذ الأحكام الصادرة في القضايا العادية، الذي يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم، بناء على طلب المستفيد من الحكم أو من ينوب عنه طبقا لمقتضيات الفصل 429 من قانون المسطرة المدنية[137]، وتنفيذ الحكم من طرف المحافظ يختلف بحسب ما إذا قضت المحكمة بصحة التعرض أو عدم صحته، ففي حالة الحكم بعدم صحة التعرض لا يمكن الجزم بتحفيظ العقار في اسم طالب التحفيظ، على أساس أن مطلب التحفيظ يتخذ بشأنه المحافظ ما يراه مناسبا، أما في حالة الحكم بصحة التعرض فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، جاءت بمقتضي إيجابي يتمثل في نشر خلاصة إصلاحية باسم المتعرض في حدود الحصة المحكوم له بها.
غير أن مسألة تنفيذ الاحكام القضائية قد تعترضها في أحيان كثيرة صعوبات ومن ثم لا بد من الوقوف على بعض هذه الصعوبات، وصولا إلى الجهة المختصة للبت فيها، ومدى صلاحية المحافظ لإثارتها، على أساس أن الفصل 436 من ق. م . م حدد الأشخاص المخول لهم إثارة الصعوبات وليس من بينهم المحافظ.
ونظرا لأهمية هذه الخصوصيات التي جاء بها ظهير التحفيظ العقاري، فإنه سيتم الوقوف عليها في هذا الفصل من خلال تقسيمه إلى مبحثين: أتناول في (المبحث الأول) طرق الطعن في الحكم الصادر في دعوى التحفيظ، على أن التطرق في (المبحث الثاني) تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مادة التحفيظ العقاري.
المبحث الأول: طرق الطعن في الحكم الصادرفي دعوى التحفيظ
وقد نظم قانون المسطرة المدنية خمس طرق للطعن، وهي التعرضوالاستئنافكطرق عادية للطعن،[138] وإعادة النظروتعرض الخارج عن الخصومة، والطعن بالنقضكطرق استثنائية للطعن.[139]إلا أنه بالرجوع إلى ظهير التحفيظ العقاري يلاحظ أنه نص فقط على الطعن بالاستئناف وذلك وفق مقتضيات المنصوص عليها من خلال الفصول التالية من 40 إلى 45 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، ومن جهة أخرى جعل الطعن بالنقض على ما ثم التنصيص علية وفق الفصل 47 على أنه:” يبلغ القرار الاستئنافي وفق الكيفية المقررة في قانون المسطرة المدنية ويمكن الطعن فيه بالنقض داخل الأجل المحدد في نفس القانون”،[140] مع إفرادهما ببعض الخصوصيات التي تختلف عن المقتضيات الواردة في قانون المسطرة المدنية وسكت عن باقي الطعون.
ولقدنص ظهير التحفيظ العقاري على طريقين للطعن في الأحكام والقرارات الصادرة في نزاع التحفيظ العقاري، وهما الطعن بالاستئناف والطعن بالنقض.وإن كانت الأحكام الابتدائية الصادرة في دعوى التحفيظ العقاري، شأنها شأن الأحكام القضائية الأخرى، تقبل الطعن، إلا أنه نظرا لطبيعة هذه نزاعات.
فقد خصها المشرع ببعض الخصوصيات التي تختلف عن نظيرتها في القضايا العادية، ذلك أن ظهير التحفيظ العقاري لم ينظم سوى طريقتين للطعن في الحكم الصادر في قضايا التحفيظ، أحد هذه الطعون عادي وهو الاستئناف، والثاني استثنائي وهو النقض، كما استبعد التعرض بنص صريح.[141]
وسكت عن باقي الطعون، الأمر الذي أثار التساؤل عن مصير الطعنين المتبقيين، وما إذا كان تطبيقهما ممكناً في قضايا التحفيظ، وأساسا طعن إعادة النظر، على اعتبار أن تعرض الخارج عن الخصومة غير مقبول نظراً للعلانية[142]، التي رافقت المسطرة الإدارية.
وعليه سأتناول في هذا المبحث طرق الطعن، وذلك بتقسيمه إلى مطلبين:التطرقللطعن بالاستئناف وخصوصياتهفي (المطلب الأول)، على أن أخصص الحديث في الطعن بالنقض في القرارات الصادرة في دعوى التحفيظ(المطلب الثاني).
المطلب الأول: خصوصيات الطعن بالاستئناف
يعتبر الطعن بالاستئناف الذي يهدف تارة إلى إلغاء الحكم الابتدائي، لمخالفته للقانون الشكلي أو الموضوعي، ويهدف تارة أخرى إلى مجرد مراجعته وتعديله موضوعيا، وقد تكون المراجعة المطلوبة كلية شاملة، وقد تكون تقتصر على بعض أجزاء الحكم فقط، كما يمكن تقديم الاستئناف للمطالبة بالفصل في عناصر لم تفضل فيها المحكمة الابتدائية، ثم إنه تظلم لأن المحكوم عليه يقصد منه التريث في تنفيذ الحكم الابتدائي الصادر ضده، إلى حين الحسم في موضوع استئنافية[143].
وقد نظم قانون المسطرة المدنية الطعن بالاستئناف، كما أن من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، فقدنظم بدوره هذا الطعن، دون أن يعني ذلك أن مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري، جاءت مستقلة تماما عن مقتضيات قانون المسطرة المدنية، حيث أحال عليه في بعض فصوله، الأمر الذي يستدعي الوقوف على الخصوصيات التي جاء بها ظهير التحفيظ العقاري على هذا المستوى، محاولين الإجابة في نفس الوقت على إمكانية تطبيق قانون المسطرة المدنية، في الحالات التي التزم فيها ظهير التحفيظ العقاري الصمت، وذلك من خلال تقسيم هذا المطلب إلي فقرتين:
أتطرق في (الفقرة الأولى) لشكليات المقال الاستئنافي، على أن أتطرق في (الفقرة الثانية) لبعض قواعد استئناف في دعوى التعرض على مطلب التحفيظ.
الفقرة الأولى: شكليات المقال الاستئنافي
يعتبر مقال الاستئناف الأداة الفنية التي بواسطتها يقدم الطعن في الحكم المتظلم منه إلى محكمة الاستئناف، ويودع هذا المقال بكتابة ضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه حسب ما جاء في الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية. ويستفاد من ذلك، ضرورة تقديم مقال بالاستئناف لا مجرد تصريح به. وللطعن بالاستئناف أثر ناقل وناشر للدعوى أمام محكمة الثانية.[144]
حيث جاء في قرار لمحكمة النقض:” حيث إن الطعن بالاستئناف له أثر ناشر ينقل النزاع أمام محكمة الدرجة الثانية بجميع عناصره الواقعية والقانونية، وأن هذه المحكمة ناقشت جميع الوثائق المدرجة بالملف. واعتبرت أن ما تمسك به الطاعنون لا ينهض حجة في إثبات المغارسة في إثبات المغارسة في أرض حبسية وأنها بتأييدها للحكم الابتدائي القاضي برفض تعرضهم تكون بذلك قد أجابت ضمنيا برفض ما أثاروه من دفوع بشأن هذا الحكم. الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه غير خارق لمبدأ التقاضي على درجتين، والسبب بالتالي غير جدير بالاعتبار”.[145]
ولا يشترط في هذا المقال أن يحتوى البيانات الواردة في الفصل 142 من نفس القانون، لأن مشرع التحفيظ العقاري لا يحول عليه صراحة، وإنما نظم شروط إعداد القضية في الفصل 41 من ظهير التحفيظ، ينص هذا الفصل على أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية تكون دائما قابلة للاستئناف كيفما كانت قيمة العقار المطلوب تحفيظه.[146]ولا يمكن الاعتداد بالقيمة المالية لتحديد مناط التعرض، لأن مناط التعرض دعوى التحفيظ ينصرف إلى المطالبة بالحق العيني وليس الحق الشخصي المحدد في مبلغ معين من المال.
يظهر أن مقال الاستئناف لا يخضع وجوبا لمقتضيات الفصل 142 من ق.م.م،[147] على أساس أن الفصل 41 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14لم يحل عليه، بل أحال إلى الفصل 141 من ق.م.م، الذي ينص على أن مقال الاستئناف يقدم أمام كتابة ضبط المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه، غير أن التساؤل المطروح بهذا الصدد هل استئناف الحكم يعتبر مقبولا حتى لو لم يتم رفعه على الكيفية المطلوبة في الفصل 141 من ق.م.م على اعتبار أن الفصل 41 من ظ.ت.ع جاء في فقرته الثانية بصيغة تفيد الإمكان لا الوجوب، إذ جاء فيها:” يمكن رفع الاستئناف على الكيفية المذكور في الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية…”.
أعتقد أن الصياغة التي جاء بها هذا الفصل غير مقصودة، وأنه يلزم مراعاة مقتضيات الفصل 141 من ق.م.م.
كما يتبين أن المسطرة في قضايا التحفيظ العقاري تتميز عن المسطرة العادية، فالمستأنف في قضايا التحفيظ، غير ملزم بتقديم مقاله وفق الشروط المحددة في الفصل 142 من ق.م.م، وهذا ما سار عليه الاجتهاد القضائي، في العديد من القرارات، إذ جاء في قرار للمجلس الأعلى(محكمة النقض)[148]، أن استئناف قضايا التحفيظ لا يتقيد بشكليات خاصة، كما هو الشأن في القضايا المدنية الأخرى التي يخضع تقديم الاستئناف فيها إلى الفصل 142 من ق.م.م كما جاء في قرار آخر[149]:”لما كان النزاع يتعلق بالتعرض على مطلب التحفيظ، فإنه لا مجال للتقيد بالبيانات المتعلقة بالتعريف بأطراف النزاع التي يوجب الفصل 142 من ق.م.م توفرها في مقال الاستئناف”.
كما أن المستأنف في مسطرة التحفيظ، غير ملزم بالإدلاء بأسباب استئنافه إلا بعد توجيه أمر إليه بذلك من طرف المستشار المقرر، وذلك حسب الفصل 42 من من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، وهو ما كرسه الاجتهاد القضائي، إذ جاء في قرار حديث للمجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض):”حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أنه اقتصر في تعليل قضائه علىأن المستأنف أدلى بطلب استئنافه غير مستوف للشروط المتطلبة قانونا وخاصة مبررات أوجه الاستئناف…”. في حين أن الأمر يتعلق بمسطرة التحفيظ المنصوص عليها بظهير 12/8/1913 المطبق في النازلة والتي لا ترتب مقتضياتها على عدم بيان أسباب الاستئناف عدم قبول هذا الأخير…الأمر الذي يعتبر معه القرار معللا تعليلا ناقصا يوازي انعدامه، مما عرضه للنقض والإبطال”.[150]
وقد اعتبر الأستاذ محمد بونبات،[151] أن هذا التوجه يحقق ضمانة للمتقاضين الذين قد يستأنفون الأحكام الابتدائية، بمجرد تبليغها لهم في انتظار إعداد أسباب الاستئناف أو تعيين محامٍ، فيكون من المجحف في حقهم ومضيعة لحقوقهم إلغاء استئنافهم لعلة عدم، تقديم مذكرة بيان أوجه الاستئناف في الأجل المحدد.
ويعد هذا التوجه جاء منسجما مع مقتضيات الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، الذي نص على أنه:” ..يعين الرئيس الأول مستشارا مقررا وينذر هذا الأخير المستأنف بالإدلاء بأسباب استئنافية ووسائل دفاعه….”[152].
ولا يترتب أي جزاء قانوني على عدم إدلاء المستأنف بأسباب استئنافه، بعد أن يأمره بذلك المستشار المقرر، وهذا ما ذهب إليه القرار الصادر عن المجلس الأعلى(محكمة النقض) الذي جاء فيه:”لكن حيث إن الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري لا ينص على أي جزاء يترتب على عدم قيام المستأنف بما طلب منه، ذلك أنه في مادة التحفيظ العقاري يجب على المحكمة أن تنظر في القضية بناء على الأوراق والوثائق الموجودة في الملف.
وحيث إن المحكمة عندما حكمت بعدم قبول الاستئناف لعدم إدلاء المستأنف ببيان وجه استئنافه تكون قد أساءت تطبيق الفصل 42 المذكور أعلاه”[153].
الفقرة الثانية: قواعد الاستئناف في دعوى التعرض
يشكل الاستئناف ضمانة مهمة للمتقاضين لكي يمارسوا حقهم في التقاضي على درجتين، حيث بمقتضاه يعيد المستأنف طرح النزاع على محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، لتعيد النظر فيه من جديد لإصلاح الأخطاء المادية والقانونية التي قد شابته.وقد نظم المشرع الاستئناف في الفصول من 134 من ق. م. مإلى 146 من ق. م. م، أماظهير التحفيظ العقاري، فقد نظمه في الفصول من 40 إلى 45، إلا أنه بمراجعة هذا التنظيم الأخير نجده غير مستقل تماما عن ق. م. م،حيث أحال عليه في بعض فصوله،[154] كما جاء بقاعدة عدم جواز تقديم طلبات جديدة في مرحلة الاستئناف، في الفقرة الثانية من الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14. وأعتقد أن هذه الفقرة غير ذات جدوى، طالما أن ق.م.م. باعتباره الشريعة العامة- قد نص على هذه القاعدة في الفصل 143 منه، وبالتالي كان يكفي الإحالة على هذا الفصل الأخير.
ورغم عدم استقلالية القواعد الإجرائية لقضايا التحفيظ العقاري، على مستوى المرحلة الاستئنافية، فإنه لا ينبغي تجاهل الخصوصيات التي جاء بها ظ ت ع بهذا الصدد، وأول خصوصية تتجلى في كون الاستئناف دائما مقبول في موضوع التحفيظ العقاري بغض النظر عن التقدير القيمي[155]، وذلك خلافا للقواعد العامة، طبقا لما جاء منصوص عليه في الفصل 19 من ق. م. م.وقد انتقد عبد العزيز حضري[156]، الأسلوب التشريعي الذي بمقتضاه تم تحديد سعر النصاب أو سقفه، إذ تم تنظيمه بالقانون من مستوى ظهير، وبذلك فتعديله يحتاج إلى نص من قيمته أو مستواه، لذلك كان حريا ترك تحديد هذا السقف للسلطة التنظيمية للحكومة، حتي يتم التعديل بشكل أسهل وأيسر، تبعا لتغير الظروف الاقتصادية، ومستوى معيشة الفئة العريضة من المتقاضين، وقيمة النقود.
ولكي يكون الاستئناف مقبولا يجب أن يقدم داخل الأجل القانوني، وهو ثلاثون يوما حسب الإحالة الصريحةمن خلال ما ينص عليه الفصل 134 من ق.م.م.[157]وما بعده من قبل الفصل 40 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14،ويبدأ سريان هذا الأجل من تاريخ التبليغ القانوني.[158] وحسب الفصل 136 من ق. م. م المحال عليه،[159] فإن الآجال تضاعف ثلاث مرات لمصلحة الأطراف الذين ليس لهم موطن ولا محل إقامة بالمملكة.إلا أنه بالرجوع إلى الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، نجده قد سمح بإمكانية إضافة أجل بعد المسافة إلى الأجل القانوني وهو خمسة عشر يوما، لفائدة المستأنف لكي يدلي بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه، كما أن الفصل 44 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، ألزم المستشار المقرر بإخبار أطراف النزاع في عناوينهم المختارة باليوم الذي ستعرض فيه القضية بالجلسة قبل موعدها بخمسة عشر يوما مع إضافة أجل المسافة.
أما بخصوص أطراف الاستئناف، فإنه وعلى خلاف القضايا العادية التي يسمح فيها لكل طرف كان في الدعوى في المرحلة الابتدائية، أن يستأنف الحكم الابتدائي، فإنه في قضايا التحفيظ العقاري، لا يقبل طلب الاستئناف إذا وجه ضد متعرض، وليس ضد طالب التحفيظ، على أساس أن الاجتهاد القضائي[160] كرس مبدأ مفاده أن المحكمة تقتصر على البت في النزاعات القائمة ضد طالب التحفيظ دون النزاعات القائمة بين المتعرضين[161]. وقد حاول المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا)[162]مجابهة هذا الوضع غير المنطقي، فاستنجد بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 41 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14التي تنصأنه:”يقبل دائما الاستئناف في موضوع التحفيظ مهما كانت قيمة العقار المطلوب تحفيظه”. ورتب على هذا النص وبتفسير واسع جواز قبول استئناف متعرض ضد متعرض آخر، إلا أن الأخذ بهذا التوجه سيطرح نقاشا آخر حول سلطات محكمة الاستئناف، هل تقتصر على الحكم بصحة تعرض المستأنف، أم يمكنها التصريح بأن التعرض المقدم من المستأنف هو وحده التعرض المبني على أساس، فهي إن اعتمدت الحل الأول تكون أمام تعرضين مقبولين ضد نفس العقار، وإن اعتمدت الحل الثاني تكون قد فصلت بين المتعرضين.
وعندما تتوصل كتابة ضبط محكمة الاستئناف بالملف، يعين الرئيس الأول بهذه المحكمة، مستشارا مقررا حسب الفصل 42 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14ونفس الإجراء يتم في القضايا العادية، إلا أنه في هذه الأخيرة يسلم الملف إلى المستشار في ظرف أربع وعشرين ساعة،[163] بخلاف قضايا التحفيظ العقاري، حيث لم يتم تحديد أي أجل.
ويأمر المستشار المقرر المستأنف بالإدلاء بأسباب استئنافه داخل أجل لا يتعدى خمسة عشر يوما يضاف إليها أجل بعد المسافة، ويستدعي الأطراف المعنية للاطلاع على ما أدلى به المستأنف، وذلك حسب الفصل 42 السالف الذكر،[164] ويمكن للمستشار المقرر أن يتخذ جميع التدابير التكميلية للتحقيق في النزاع، بحيث لا يختلف دوره عما يقوم به القاضي المقرر على مستوى المرحلة الابتدائية،[165] إلا أن التحقيق الإضافي ينبغي أن يقتصر على النزاعات التي أثارها مطلب التحفيظ خلال المرحلة الابتدائية، حسب الفقرة الثانية من الفصل 43[166] من ظ.ت.ع. وعندما تصبح القضية جاهزة يخبر أطراف النزاع في عناوينهم المختارة باليوم الذي ستعرض فيه القضية بالجلسة قبل موعدها بخمسة عشر يوما، يضاف إليها أجل بعد المسافة طبقا لمقتضيات الفصل 44 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، الذي نص على أنه:” عندما يرى المستشار المقرر أن القضية جاهزة يخبر أطراف النزاع في عناوينهم المختارة باليوم الذي ستعرض فيه بالجلسة وذلك قبل خمسة عشر يوما”.
لتنطلق معه انعقاد الجلسة التي تبتدئ بتلاوة تقرير المستشار المقرر الذي يعرض القضية، ثم يتم الاستماع إلى الأطراف إما شخصيا، أو بواسطة وكيل، ثم يقدم ممثل النيابة العامة استنتاجاته كما نص عليها المشرع من خلال الفصل 45 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، ينص على أنه:” ويقدم ممثل النيابة العامة استنتاجاته وتبت محكمة الاستئناف في القضية إما في الحين أو بعد المداولة سواء حضر الأطراف أو تخلفوا دون أن يقبل أي تعرض ضد القرار الصادر…”، حيث يصدر القرار الاستئنافي، ويبلغ بنصه الكامل، على خلاف الأحكام الابتدائية التي تبلغ فقط بملخصها، إلا أنه إذا تم تحديد أجل تبليغ الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ داخل أجل ثمانية أيام، فإن القرارات الاستئنافية لم يتم تحديد أجل تبليغها. إلى جميع الأطراف في عناوينهم الحقيقية أو المختارة، مع التنبيه على أن بإمكانهم الطعن بالنقض داخل أجل شهرين ابتداء من يوم التبليغ[167].
ويترتب عن الاستئناف في مادة التحفيظ أثر موقف للتنفيذ، وأثر ناقل: فأما الأثر الموقف للتنفيذ، يتجلى في كون الاستئناف يوقف التنفيذ الحكم المطعون فيه، وأن كل إجراء من إجراءات التنفيذ إذا حصل، رغم استئناف الحكم الذي تم تنفيذه قد يعرض صاحبه للحكم عليه بتعويضات لصالح المستأنف.وأما على مستوى الأثر الناقل، فيعني أن الاستئناف ينقل مجموعة النزاع بجميع أسسه الواقعية والقانونية التي كانت معروضة في المرحلة الابتدائية، ويطرحه أمام محكمة الاستئناف كدرجة ثانية لتعيد فيه النظر من جديد، وكأنها تنظر القضية ابتدائيا.[168]إذجاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:” لكن ردا على السبب أعلاه فإن الاستئناف ينشر الدعوى أمام محكمة الاستئناف فثبت في النزاع برمته. وأن النزاع يتعلق بمسطرة التحفيظ المطبق بشأنه ظهير 12/8/1913 مع وجود هاته القواعد الخاصة لا يمكن تطبيق القواعد العامة المنصوص عليها في الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية المستدل به. وأن القرار قضى للطاعن ومن معه وصرح بأن الاستئناف مقبول شكلا مما يكون قد رد على الدفع المشار إليه الأمر الذي يبقى معه السبب بالتالي غير ذي اعتبار[169].
ولا تجبر محكمة الاستئناف بإرجاع الملف إلى محكمة التحفيظ الابتدائية التي لم تنظر في الوثائق المدرجة في الملف، ما دام الاستئناف ينشر الدعوى من جديد أمامها.وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض ما يلي:” لكن حيث إن الحكم المستأنف بت في موضوع النزاع، وبذلك تكون المحكمة الابتدائية قد استنفذت ولايتها. وإن عدم مناقشتها لبعض حجج المستأنف فأنه يمكن لهذا الأخير عرضها على محكمة الاستئناف لمناقشتها من جديد طبقا لما يخوله لها الأثر الناقل والناشر لطلب الاستئناف، ولا يجوز إرجاع الملف إلى المحكمة الابتدائية من أجل مناقشة هذه الحجج. الأمر الذي يكون معه القرار غير متجاوز لمراحل التقاضي وغير ماس بحقوق الدفاع. والسبب بالتالي غير جدير بالاعتبار.[170]
ولذلك منح المشرع للمستشار المقرر لدى محكمة الاستئناف اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للتحقيق في موضوع النزاع من جديد.
المطلب الثاني: الطعن بالنقض في دعوى التحفيظ
تجدر الإشارة إلى أن قرارات محكمة الاستئناف نهائية في الموضوع، وحضورية بوصف المشرع لها مادام أنها لا تقبل التعرض كطريق من طرق الطعن العادية. ومنذ سنة 1913، كانت قرارات محكمة الاستئناف لا تقبل الطعن بالنقض إلا من طرف النيابة العامة ولفائدة القانون حسب الفصل 47 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، في صيغته الأصلية، أصبحت القرارات الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض المنصوص عليه بالظهير المؤسس محكمة النقض[171]، والذي تضمنه قانون م.م، وبذلك فإن المقتضيات المنظمة للطعن بالنقض في قضايا التحفيظ العقاري، مشابهة في جلها للمقتضيات المنظمة لنظيرتها في القضايا العادية[172] مع بعض الاختلافات المتمثلة في كون أجل الطعن بالنقض في القرارات الاستئنافية الصادرة في نزاعات التحفيظ هو شهران، وكذا كون الطعن بالنقض أمام محكمة النقض في مثل هذه القضايا يوقف التنفيذ استنادا إلى الفصل 361 من ق.م.م.
أتطرق هذا المطلب إلى فقرتين: أخصص الحديث عن خصوصيات الطعن بالنقض في قضايا التحفيظ (المطلب الأول)، على أن أتطرق للطعن بإعادة النظر في قرارات محكمة النقض (المطلب الثاني).
الفقرة الأولى: خصوصيات الطعن بالنقض في قضايا التحفيظ
لقد حددتالفقرة الثانية من الفصل 47 من ظهير السالف الذكر، في تحديد أجل الطعن بالنقض في قضايا التحفيظ العقاري في شهرين من تاريخ تبليغ القرارات الاستئنافية إلى الأطراف في عناوينهم الحقيقية أو المختارة وذلك بخلاف القضايا العادية، التي تم فيها تحديد أجل الطعن بالنقض في ثلاثين يوما من يوم تبليغ الحكم المطعون فيه إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي حسب الفصل 358 من ق.م.م.
وبمقارنة هذين الفصلين، يلاحظ أن ق.م.م كان أكثر ضبطاً، باستعماله أجل ثلاثين يوما، بخلاف ظ.ت.ع الذي استعمل مصطلح “شهرين”، خاصة أن عدد أيام الشهور غير متساوي، فطالب النقض مثلا الذي يبلغ له القرار الاستئنافي في شهر يوليوز ستكون له مدة أطول من المدةالتي تكون لطالب آخر بلغ له القرار الاستئنافي في شهر فبراير مع أن القضيتان معاً تتعلقان بالتحفيظ العقاري.وبالرغم من أن الفصل 47 من ظ.ت.ع قد حددت أجل الطعن في القرارات الاستئنافية في شهرين فإن الفقه انقسم بخصوص هذا الأجل إلى رأيين، أحدهما[173] يرى أن أجل النقض في قضايا التحفيظ هو شهران استناداً إلى كون النص الخاص أولى بالتطبيق من النص العام.بينما يرى الثاني،[174] أن أجل النقض هو شهر لا غير مستندا إلى الفصل 47 من ظ.ت.ع باعتباره غير صريح ولم يحدد أجلا جديدا للنقض، وإنما أحال على الفصل 358 من ق.م.م، لذلك ينبغي الرجوع إلى مقتضيات ق.م.م بهذا الخصوص، كما استدل أصحاب هذا الرأي على أنه يوجد تعارض بين مضامين الفصل 47 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14.
وأساسا المشكل يتمثل في إغفال المشرع المغربي تعديل الفصل 47 من ظ.ت.ع بشكل ينسجم مع التعديل الوارد في الفقرة الأولى، كما أن المقتضيات المعنية بتحديد أجل النقض هي مقتضيات الفصل 358 من ق.م.م حسب إحالة الفصل 47 من ظ.ت.ع .
إن الأخذ بهذا الرأي الثاني سيجعل التبليغ بدوره لا يخضع للفقرة الثانية من الفصل 47 من ظ.ت.ع (التبليغ يكون لجميع الأطراف في عناوينهم المختارة أوالحقيقية)، وإنما يخضع إلى الفصل 358 من ق.م.م (حدد التبليغ إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي)، وأعتقد أن هذا ينافي فلسفة المشرع الذي استهدف إفراد قضايا التحفيظ بخصوصيات تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المميزة لقضايا التحفيظ.
إضافة إلى ذلك ذهب أصحاب الرأي الثاني، إلى أنه لا وجود لمبرر للتمييز بين أجل النقض في قضايا التحفيظ والقضايا العادية، إلا أنه ولو أخذنا بهذه الفكرة سيكون هناك تمييز في بعض الحالات كما هو الشأن في القرارات الاستئنافية الغيابية، بحيث إن القرار الاستئنافي الغيابي في القضايا العادية إذا لم يطعن فيه بالتعرض يمكن بعد مرور 10 أيام الطعن فيه بالنقض مما سيجعل الأجل يصل إلى أربعين يوما[175]، بخلاف القرارات الاستئنافية في قضايا التحفيظ بحيث لا تقبل التعرض[176] ولو صدرت غيابية، لذلك أعتقد أن هناك فلسفة للمشرع من رفع هذا الأجل في قضايا التحفيظ العقاري وهي منح المتقاضين أجلا كافيا للنقض، خاصة وأن بعض الطعون غير مقبولة في قضايا التحفيظ، ونظرا لقيمة العقار من جهة، وكون الرسم العقاري بعد تأسيسه سيكون نهائيا وغير قابل للطعن (الفصل 2 و 62 من ظ.ت.ع).
كما أن المشرع لو كان هدفه التأكيد على مرجعية محددة سلفا في الفقرة الأولى، لاكتفى في الفقرة الثانية من الفصل 47 من ظ.ت.ع بالإحالة على الفقرة الأولى، دون ذكر هذا الأجل مرة ثانية، لذلك أعتقد أن أجل الطعن بالنقض ضد القرارات الاستئنافية هو شهر .
وعموما يبقى الفصل 47 من ظ.ت.ع واجب التطبيق في قضايا التحفيظ، استنادا إلى كون النص الخاص أولى بالتطبيق من النص العام، خاصة وأن الفصل 358 من ق.م.م أكد ذلك حيث جاء فيه:”يحدد بصرف النظر عن المقتضيات الخاصة أجل رفع الدعوى إلى محكمة النقض في ثلاثين يوما…”. وهو ما سار عليه محكمة النقض في قرار حديث له[177] جاء فيه:”لكن حيث إنه بمقتضى الفصل 47 من ظهير 12/8/1913 فإن أجل الطعن بالنقض ضد القرارات الصادرة في مادة التحفيظ هو شهران، وأنه بمقارنة تاريخ التبليغ الذي هو 7-2-2003 بتاريخ الطعن المقدم من الطاعنين الذي هو 2-4-2003 نجد أن الطعن بالنقض قدم داخل الأجل القانوني المشار إليه…”.والأصل أن الطعن بالنقض لا يوقف تنفيذ القرارات الاستئنافية، لكونه طعنا غير عادي، غير أن المشرع سن بعض الاستثناءات على هذا الأصل، وأساسا فيما تم التنصيص عليه في الفصل 361 من ق.م.م علىأنه:”لا يوقف الطعن أمام محكمة النقض التنفيذ إلا في الأحوال الآتية: 1-……….، 2- ………….، 3- التحفيظ العقاري”.
ولعل السبب في وضع هذه الاستثناءات هو صعوبة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل التنفيذ في حالة نقض الحكم المطعون فيه، غير أن الذي يهم بهذا الصدد هو وقف التنفيذ في قضايا التحفيظ العقاري وأساسا مفهوم مصطلح التحفيظ العقاري على ضوء الفصل 361 من ق.م.م، وما إذا كان يشمل فقط مسطرة التحفيظ التي تؤدي إلى إنشاء الرسم العقاري، أم يشمل أيضا التصرفات التي ترد على العقار المحفظ.
هذا الموضوع الذي شكل موضوع خلاف فقهي وقضائي بين مضيق لمصطلح التحفيظ العقاري، وموسع له، هذا الاتجاه الأخير يسير فيه غالبية الفقه[178]، الذي يفسر عبارة”التحفيظ العقاري” تفسيرا يشمل كل القضايا الخاصة بالتحفيظ العقاري[179]، على أساس أن الصياغة التي جاء بها الفصل 361 من ق.م.م عامة، وأن المشرع لو كان هدفه حصر وقف التنفيذ في مرحلة مسطرة التحفيظ لأكد ذلك بعبارة “في القضايا الخاصة بمسطرة التحفيظ”.[180]
كما استدل هذا الاتجاه بكون الاقتصار على المفهوم الضيق لمصطلح التحفيظ، سينتج عنه مشاكل في التطبيق واستحالات مادية وقانونية على الأطراف حسني النية، ناهيك عن آثاره في التأثير على استقرار المعاملات، ومما يدل على التفسير الواسع لمصطلح “التحفيظ العقاري” كون المشرع المغربي قرن في الفصل 96 من ظ.ت.ع بين رفض التحفيظ ورفض التقييد ورفض التشطيب حيث جعل المشرع هذا القرار قابلا للطعن بالاستئناف وكذا النقض حسب الشروط المقررة بالفصل 47 من ظ.ت.ع، علما أن هذا الفصل قد أحال على ظهير 27 شتنبر 1957 المتعلق بالمجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) والذي كان فصله الخامس عشر ينص على ما يلي :”ما يترتب عن رفع الدعوى إن رفع الدعوى لدى المجلس الأعلى لا يوقف التنفيذ إلا في الأحوال الآتية::”……3 – في القضايا الخاصة بالتحفيظ العقاري……”.
كما أنه من المبررات التي اعتمدها هذا الاتجاه للقول بالتفسير الواسع لمصطلح التحفيظ هو صعوبة تحديد الخانة التي سيدرج فيها الفصل 84 من ظ.ت.ع[181]، فالأمر يتعلق بتقييد للمستقبل، تطبق عليه جميع القواعد المطبقة على التقييد والتشطيب، ولكنه قدم في مرحلة لازال فيها العقار في طور التحفيظ، فهل يا ترى سيعتبر هذا الفصل متعلقا بمرحلة سابقة لمرحلة التحفيظ وبالتالي يطبق عليه الفصل 361 من ق.م.م،أم سيعتبر متعلقا بمرحلة لاحقة لمرحلة التحفيظ وبالتالي لا يطبق عليه الفصل المذكور؟
وفي مقابل هذا الاتجاه الموسع، يوجد اتجاه مضيق لمصطلح التحفيظ بحيث اعتبر هذا المصطلح شاملا فقط العقارات في طور التحفيظ، دون أن يشمل العقارات المحفظة أي التقييدات بالرسوم العقارية، وهذا التفسير هو الذي سارت عليه الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) في العديد من القرارات منها القرار الصادر بتاريخ 20-3-2003 [182]، والذي جاء فيه:”…ويبقى ما ذهب إليه الحكم المستأنف من أن تسجيل الأحكام بالسجل العقاري، لا يتم إلا إذا استنفذت الأحكام جميع طرق الطعن يخص فقط حالة الأحكام الباتة في التعرضات على التحفيظ هو تطبيق سليم لمقتضيات الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية”.
وفي قرار آخر، جاء فيه:”وحيث إن جوهر النزاع هو معرفة هل مصطلح التحفيظ العقاري ينصرف فقط إلى وضعية العقار في طور التحفيظ وقبل إنشاء الرسم العقاري أم أن الأمر يشمل كذلك العقار المحفظ، أي الذي يتوفر فعلا على رسم عقاري.
وحيث إنه سبق للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أن فصلت في عدة قرارات وحسمت في النزاع في هذا الموضوع عندما لاحظت عبر قراراتها كما أشار إلى ذلك الحكم المستأنف أن المقصود بالتحفيظ العقاري المسطرة التي تتعلق بالعقار في طور التحفيظ…”.[183]
هذا الاتجاه القار الذي عبرت عنه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض)، دعمه بعض المهتمين،[184] وسندهم في ذلك أن كلمة تحفيظ هي مصطلح قانوني، يعني مجموعة المساطر التي تبتدئ من تاريخ وضع مطلب التحفيظ وتنتهي بصدور قرار التحفيظ، ويليه زمنيا مصطلح آخر هو العقار المحفظ، وقد خصص ظهير التحفيظ العقاري قسمين رئيسيين لكل مصطلح، فعنون الأول ” التحفيظ” والثاني “إشهار الحقوق العينية العقارية وفي المحافظة عليها”، كما استند أصحاب هذا الرأي إلى كون طبيعة الفصل 361 من ق.م.م أنه تضمن مبدأ قانونيا يهم المرافعات المدنية واستثناءات لهذا المبدأ روعي فيها ضرر عدم القابلية لإصلاح الأوضاع بعد صدور قرار النقض، لذلك وردت على سبيل الحصر، وبالتالي لا يجوز التوسع فيها ولو عن طريق التفسير، كما أنه إذا كانت فلسفة المشرع من وراء إدراج الفصل 361 من ق.م.م هو استحالة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه، فإن الاستحالة محققة في المرحلة السابقة للتحفيظ، حيث إن تنفيذ القرار الاستئنافي المطعون فيه بالنقض، سيجعل قرار محكمة النقض حبرا على ورق أمام صرامة الفصل 2 و62 من ظ.ت.ع اللذان يقضيان بأن الرسم العقاري له صفة نهائية، غير قابلة للطعن[185].
وبالعكس لا توجد استحالة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه إذا تعلق الأمر بالمرحلة اللاحقة للتحفيظ، لأن التقييد ليست له صفة نهائية كالتحفيظ، بل يمكن التشطيب عليه[186]، وتبقى الصعوبة فقط في حالة انتقال الحق إلى الغير حسن النية، وهي صعوبة يمكن تجاوزها عن طريق التقييد الاحتياطي.
أما بخصوص موقف المحافظة العقارية من مفهوم مصطلح التحفيظ العقاري، فقد صدرت عن المحافظ العام مذكرة بتاريخ 6 دجنبر 2011 موجهة إلى السادة المحافظين العقاريين على الأملاك العقارية يتعلق موضوعها بمقتضيات قانون 07-14 خاصة الفصل الأول منه، إذ جاء فيها أنه :”تم وضع تعريف دقيق لمفهوم التحفيظ العقاري تفاديا لكل خلاف في التأويل، حيث نص الفصل الأول صراحة على أن التحفيظ العقاري يشمل مسطرة التحفيظ والتقييدات بالرسم العقاري”[187].
أعطى مفهوما دقيق للفصل 361 من ق.م.م، واعتبر الطعن بالنقض ضد القرار الاستئنافي الصادر بخصوص عقار محفظ غير موقف للتنفيذ، كما اعتبر عريضة النقض قابلة لتكون موضوع تقييد احتياطي.
أكدت فيه التفسير الموسع، وذلك استنادا إلى في حالة تدخل القضاء المختص بتفسير النص المذكور (الفصل 361 من ق.م.م) فإن الطعن بالنقض ذي الأثر الموقف للتنفيذ بخصوص التحفيظ يجب أن يفسر تفسيرا واسعا، يشمل كذلك العقارات المحفظة.
إن التوجهات التي سارت عليه المحافظة العقارية –وإن كان لا يلزم القضاء- فإنه سيجعل المحافظ على الملكية العقارية والرهون في وضعية صعبة، فهو إن التزم بما سارت عليه قرارات المجلس الأعلى، ولم يتطلب شهادة عدم النقض فيما يتعلق بالمرحلة اللاحقة للتحفيظ، سيكون عرضة للمساءلة التأديبية التي يفرضها التسلسل الإداري، باعتباره ملزما بتنفيذ تعليمات رئيسه (المحافظ العام)، وإن نفذ تعليمات هذا الأخير سيكون قد قام بتحقير المقرر القضائي الذي يأمره بتنفيذ الحكم دون تطلب شهادة عدم الطعن بالنقض[188].
وللخروج من هذه الوضعية، ينبغي حسم المسألة تشريعيا، وفي انتظار ذلك أعتقد أن التفسير الموسع لمصطلح التحفيظ العقاري وإن كان سيحل بعض المشاكل إلا أنه سيؤدي إلى تجميد العقار ويقلص من دوره في التنمية، خاصة مع طول المدة المنتظرة للبت فيه من طرف محكمة النقض، ولذلك أرجع الاتجاه المضيق لهذا المصطلح، لأنه لو كان هدف المشرع جعله شاملا للمرحلة السابقة واللاحقة للتحفيظ لنص في الفصل 361 من ق.م.م على ذلك بالعبارة التالية: “في التحفيظ العقاري والتقييد بالسجلات العقارية”.
وثانيا لأن الفلسفة من وجود هذا الاستثناء هو استحالة إرجاع الوضع إلى ما كان عليه، خاصة بالنسبة للغير حسن النية، وهو وضع تم تداركه عن طريق التقييد الاحتياطي، وثالثا لكون الفصل 91 من ظ.ت.ع نص على أن كل ما ضمن بالسجل العقاري من تسجيل وتقييد احتياطي يمكن أنيشطب عليه بموجب كل عقد أو حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به، ومعلوم أن قوة الشيء المقضي به تثبت للحكم الذي لم يعد قابلا للطعن بالطرق العادية دون طرق الغير العادية[189].
لا يترتب عن الطعن بالنقض أثر موقف للتنفيذ كقاعدة عامة، فالطرف الذي صدر الحكم لصالحه، له الحق في سلوك إجراءات تنفيذه فورا مع وجود الطعن بالنقض ما لم ينص المشرع على خلاف.
الفقرة الثانية: الطعن بإعادة النظر في قرارت محكمة النقض
لقد كرس قضاء محكمة النقض قابلية قرارات المجلس للطعن بالتماس إعادة النظر،وبعتبرالطعن بإعادة النظر هو طريق غير عادي للطعن، يقدمه أحد الخصوم بهدف إلغاء حكم قضائي غير قابل للطعن بالطرق العادية، ويوجه إلى نفس المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه[190]،وقد نظم قانون المسطرة المدنية هذا الطعن في الفصول من 402 إلى 410، بالنسبة للطعن بإعادة النظر في الأحكام الانتهائية الصادرة عن محاكم الموضوع، وبمقتضى الفصل 379 من ق. م. م . بالنسبة للطعن بإعادة النظر أمام محكمة النقض.
وقد حدد المشرع في الفصل 402 من ق.م.م الحالات التي يجوز فيها -حصرا- طلب إعادة النظر، إلا أنه بالرجوع إلى ظ.ت.ع لا وجود لمثل هذا الطعن، فهل يحمل هذا السكوت على استبعاده[191]، وهل يسري هذا على القرارات الاستئنافية[192]، وكذا قرارات محكمة النقض؟
إن الاجتهاد القضائي، مستقر على أن القرارات الاستئنافية لا تقبل الطعن بإعادة النظر، في حينكرس قضاء محكمة النقض قابلية قرارات المجلس للطعن بالتماس إعادة النظر. إذ جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:” لكن ردا على السبب أعلاه فإنه لا مجال للتمسك بمقتضيات الفقرة السادسة من الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية والمتعلقة بالطعن بإعادة النظر في أحكام محاكم الموضوع مادام الطعن بإعادة النظر في نازلة الحال يتعلق بقرار صادر عن محكمة النقض والذي تنظمه مقتضيات الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية والواردة على سبيل الحصر وليس من ضمنها صدور قرارين متناقضين عن محكمة النقض الأمر الذي يبقى معه السبب بالتالي غير مرتكز على أساس[193].
لكن لئن الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية المحدد للأسباب المبررة لإعادة النظر في قرارات محكمة النقض ينص على نفس السبب الذي اعتمده الطاعن، فإن هذا الأخير لم يدل بما يفيد أن الوثائق المعتمدة من طرف محكمة النقض صرح أو اعترف بزوريتها مما يتعين معه رفض الطلب[194].
وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض ما يلى:”لكن حيث إنه فضلا عن كون المقال لا يتوفرعلى بيان الطرف المطلوب في إعادة النظر، فإن الطالب إنما يناقش فيه علل المجلس، وهي لا تدخل ضمن أسباب إعادة النظر في قرارته المنصوص عليها حصرا في الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية. وهي: القرارات الصادرة استنادا على وثائق صرح أو اعترف بزوريتها،والصادرة بعدم القبول أو السقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية وضعت على مستندات الدعوى تم تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستظهار بها فيما بعد، أو الصادرة عن أحد الطرفين لعدم إدلائه بمستند حاسم احتكره خصمه، أو الصادرة دون مراعاة لمقتضيات الفصول 371 و 372 و 375. الأمر الذي يعتبر معه السبب المذكور عديم الأساس القانوني والطلب بالتالي غير جدير بالاعتبار”[195].
وفيقرار للمجلس الأعلى(محكمة النقض):”إن ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ قانون الموضوع وقانون الشكل كذلك، فقد تضمن الإجراءات التي تتخذها محكمة التعرض على التحفيظ وكذا الأحكام التي تصدرها وكيفية تبليغها وطرق الطعن فيها. وإن سكوت المشرع عن إعادة النظر يفيد استبعاده ولا يجوز الرجوع إلى ق.م.م بشأن طعن لم تتناوله مسطرة التحفيظ…”[196].
إلا أننا نجد في قراراتالصادرة عن محكمة النقض، فقد استقر هذا الأخير بعد تردد على قابليتها للطعن بإعادة النظر، إذ جاء في احدى قرارات أيضا ما تدعم قابلية اعمال الطعن بإعادة النظرعلى أنه:”يجوز الطعن بإعادة النظر في قرارات المجلس الأعلى(محكمة النقض) إذا صدرت دون مراعاة لمقتضيات الفصل 372 من قانون المسطرة المدنية…”[197].
ويستشف من قبولالطعن بإعادة النظر في قرارات محكمة النقض، حيث يجد سنده في مقتضيات الفصل 47 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14. الذي أحال بخصوص النقض في قضايا التحفيظ العقاري على مقتضيات الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية،والذي يقبل الطعن بإعادة النظر في قرارات محكمة النقض في حالات محددة حصرا.
حيث جاء الفصل المذكور أعلاه فيما يلى: لا يمكن الطعن في القرارات التي تصدرها محكمة النقض إلا في الأحوال الآتية:
أ) يجوز الطعن بإعادة النظر:
1 – ضد القرارات الصادرة استنادا على وثائق صرح أو اعترف بزوريتها؛
2 – ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو السقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية وضعت على مستندات الدعوى ثم تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستظهار بها فيما بعد؛
3 – إذا صدر القرار على أحد الطرفين لعدم إدلائه بمستند حاسم احتكره خصمه؛
4 – إذا صدر القرار دون مراعاة لمقتضيات الفصول 371 و372 و375….”.
مما يرجح التمييز بين القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف، والتي لا تقبل الطعن بإعادة النظر، وقرارات محكمة النقض التي تقبل مثل هذا الطعن، كان محل تضارب فقهي، إذ أن هناك من يرى[198] أن هذا الطعن غير مقبول في قضايا التحفيظ العقاري، بينما هناك من يرى[199] أن هذا التمييز في محله، على أساس أن الطعن بإعادة النظر، طعن استثنائي لا ينبغي التوسع في قبوله، خاصة في مادة التحفيظ، التي تمر بالكثير من الإشهارات المختلفة، والعديد من المعاينات والبحوث الحضورية، مما يعطي للنزاع ما يكفي من العلنية والاشهار الذي لا يبقى معه أي مبرر لاستعمال هذا الطعن غير العادي.
بينما يرى عبد العزيز حضري،[200]أن هذا التمييز غير مبرر لا من الناحية القانونية، ولا من حيث ما يقتضي المنطق السليم، ومقتضيات العدالة نفسها، فمن الناحية القانونية استدل بالفصل الثالث من ظهير المصادقة على قانون م.م (ظهير 28 شتنبر 1974) الذي ينص على أنه تطبق مقتضيات هذا القانون حتى في القضايا التي تنظمها نصوص خاصة- في حالة عدم وجود نص خاص بها، إضافة إلى ذلك لا يوجد نص في ظ.ت.ع يمنع طعن إعادة النظر، أما من حيث المنطق القانوني، فإن مقتضيات الفصل 375 من ق.م.م التي اعتمدها المجلس الأعلى لقبول إعادة النظر في قراراته هي نفس مقتضيات الفصل 345 من ق.م.م المتعلق بقرارات محكمة الاستئناف، وكلا الفصلين يلزمان محكة النقض ومحاكم الاستئناف بضرورة تعليل القرارات الصادرة عنهما، الأمر الذي يقتضي إعمال نفس المبدأ وترتيب نفس الأثر في حالة خرقه ومخالفته.
ويشاطر هذا الرأي أحد الباحثين،[201] الذي يرى أنه لا مانع من قبول طعن إعادة النظر في قضايا التحفيظ العقاري، ما دام هذا الطعن لا يضيف إلى القضية أي شخص لم يكن طرفا فيها.
وأختم برأي الأستاذ عبد الكريم الطالب الذي اعتبر أن حصر طرق الطعن في مادة التحفيظ في الاستئناف والنقض، لا يوفر ضمانة حقيقية للمتقاضين، خاصة أمام الحجية المطلقة لقرار التحفيظ.
وجاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:” لكن حيث إنه فضلا عن كون المقال أعلاه لا يتوفر على بيان الطرف المطلوب في إعادة النظر، فإن الطالب يناقش فيه علل المجلس، وهي لا تدخل ضمن أسباب إعادة النظر في قرارته المنصوص عليها حصرا في الفصل 379 من قانون المسطرة المدنية. وهي: القرارات الصادرة استنادا على وثائق صرح أو اعترف بزوريتها، والصادرة بعدم القبول أو السقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية وضعت على مستندات الدعوى تم تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستظهار بها فيما بعد، أو الصادرة دون مراعاة لمقتضيات الفصول 371 و 372 و 375. الأمر الذي يعتبر معه السبب المذكور عديم الأساس القانوني والطلب بالتالي غير جدير بالاعتبار”[202]
ويظهر أن هذا التوجه القضائي يخالف مقتضيات الفصل 109 من ظهير التحفيظ العقاري الذي حدد طريقين للطعن في قضاء التحفيظ العقاري وهما الاستئناف والنقض دون غيرهما.
المبحث الثاني: تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مادة التحفيظ العقاري
حينما تنتهي الآجال المقررة للطعن بالاستئناف أو الطعن لدى محكمة النقض بالنقض،إذ يعد التنفيذ القضائي للأحكام إحدى صور الحماية القضائية، إذ لا يكفي لرد الاعتداء على الحق،لصدور حكم عن القضاء،”إذ لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”.[203]
بل لا بد من القيام بمجموعة من الأعمال لرد الحق لصاحبه فعلا، أي إعادة التوافق بين الواقع والقانون، ذلك أنه إذا كانت الغاية من إصدار الأحكام هو الفصل في النزاعات والخصومات طبقا للقانون، وإحقاقا للحق وضمانا للعدل، فإنه لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولتوفير الثقة للمتقاضين في أجهزتها، ولضمان حقوقهم وزرع الطمأنينة في أنفسهم، يتعين تفعيل مضمون هذه الأحكام وترجمتها إلى واقع ملموس عن طريق تنفيذها تحقيقا للغاية المتوخاة من إصدارها.[204]
فتنفيذ الأحكام هو الوسيلة الوحيدة الكفيلة لدعم مصداقية القضاء والحفاظ على هيبته وترسيخ دولة الحق والقانون، لذلك فإن فشل الإجراءات القانونية في تحقيق التنفيذ الفعلي للأحكام من شأنه أن يمس هيبة الدولة بصفة عامة، فعدم التنفيذ أو التماطل فيه سيظهر مؤسساتها وخاصة المؤسسة القضائية بمظهر العاجز عن ضمان حقوق الأفراد مما سيحدث شرخا في محراب العدالة على نحو تهتز معه ثقة المواطنين فيها.
إلا أن المحافظ يواجه صعوبات هي التي تحول دون تنفيذه للأحكام القضائية وبالتالي يمتنع عن تنفيذها لاعتبارات يراها سببا لإثارة مسؤولية حال تنفيذها.[205]
وإذ أناط المشرع المغربي للمحافظ العديد من المهام والاختصاصات وخوله صلاحيات واسعة في اتخاد قراراته فإنه في المقابل طوقه بمسؤولية مشددة حرصا منه على حقوق الأفراد التي ترتبط بقرارات المحافظ ارتباطا وثيقا وكذا بالأضرار الذي قد تنجم عن ذلك التي قد تصل إلى حد ضياع الحقوق لذلك أخضع المشرع المحافظ كغيره من الموظفين الإداريين خاضعا للسلطة التسلسلية التي تعلوه مباشرة حتي وإن كان مستقلا في اتخاذ قراراته المنصبة على الملكية العقارية مادام مسؤولا عنها شخصيا لذلك خول المشرع المتضرر من قرار المحافظ إمكانية الطعن فيه أمام السلطة الرئاسية لمصدر هذا القرار.
وأما على مستوى القضاء فقرارات المحافظ الرافضة لتنفيذ قرار قضائي فهي تخضع لرقابة القضاء بنوعيه العادي والإداري وبالتالي فحق المتضرر الرافض لتنفيذ حكم نهائي لا يقتصر فقط على إثارة مسؤولية المحافظ بل يمتد إلى حقه في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من جراء هذا التنفيذ.
وإذا كان تنفيذ الأحكام القضائية يكتسى أهمية بالغة، فإن هذه الأهمية تزداد كلما تعلق الأمر بالأحكام الصادرة في موضوع العقار، غير أنني سأقتصر في هذا المبحث على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مادة التحفيظ العقاري، مقتصر على النزاعات الخاصة بالعقار في طور التحفيظ، والعقار المحفظ، وذلك من خلال تقسيمه إلى مطلبين أتطرق في (المطلبالأول) إلىمجالات تنفيذ المحافظ العقاري للأحكام القضائية الصادرة في نزاع التحفيظ، على أن أتناول في (المطلب الثاني)صعوبات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مادة التحفيظ العقاري.
المطلب الأول: مجالات تنفيذ المحافظ العقاري للأحكام القضائية
يشكل مطلب التحفيظ الإجراء الأول في عمليات التحفيظ العقاري، إذ يعتبر بمثابة عقد ولادة العقار في نظام التحفيظ العقاري، فإن الأصل أن مسطرة التحفيظ إدارية تبتدئ بتقديم مطلب التحفيظ بالمحافظة العقارية وتنتهي بإنشاء رسم عقاري من طرف المحافظ، إذ من المعلوم أن لجوء الأفراد إلى القضاء قد يكون من أجل استصدار حكم يتعلق بمنازعة أثيرت خلال إجراءات تحفيظ العقار.
ومن ناحية الجهة المكلفة بالتنفيذ وهو المحافظ على الأملاك العقارية وإجراءات التنفيذ من تبليغ وتسليم الوثيقة التنفيذية التي تختلف عن الإجراءات العادية ومن ناجية موضوع التنفيذ وهو تسجيل الحكم القضائي بالسجل العقاري،[206] فالمحافظ كما مر بنا ليس بعون تنفيذ يتم إيداع الوثائق لديه قصد تقييدها أو تبلغ إليه الأحكام والإجراءات والمقرارات لتنفيذ مقتضياتها بل هو مدعو للتحقق وتحت مسؤوليته من العمليات التي يطلب منه تقييدها تحقيقا لمبدأ مشروعية التقييد طبقا للفصل 72 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14.[207]
مما يطرح معه السؤال عن دور المحافظ العقاري كجهة تنفيذية بخصوص الأحكام المتعلقة بالتعرضات، أمام عندما يتعلق الأمر بعقار محفظ فإن لجوء الأفراد إلى القضاء يهدف غالبا إلى إصدار حكم يتعلق بتسجيل الحقوق العينية الواردة على العقار أو يتعلق الأمر بطلب أمر قضائي بالتشطيب عليه؟
وعلى هذا الأساس فإن تناول هذا المطلب وفق تقسيم الآتي: دور المحافظ العقاري في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة أثناء مسطرة التحفيظ العقاري (الفقرة الأولى) ثم دور المحافظ العقاري في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ما بعد مسطرة التحفيظ العقاري (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور المحافظ في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة أثناء مسطرة التحفيظ العقاري
يحق لكل من له مصلحة إثارة منازعة بشأن العقار موضوع طلب التحفيظ سواء كانت هاته المنازعة على شكل تعرض وفي هاته الحالة المحافظ ملزم بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة مطبقا بذلك الإجراء حسب نوعية كل تعرض، وذلك بعد انصرام الآجال القانونية المقررة لممارسة الطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض أمام محكمة النقض دون أن يتقدم أي من الطرفين بالطعن رغم التبليغ القانوني الحاصل لهم في موطنهم الحقيقي أو موطنهم المختار، يتحتم على المحكمة العقارية التي أصدرت الحكم أو القرار،[208] أن تعمل بالمقتضيات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، أي إحالة الأطراف على المحافظ العقاري، مع بعث نسخة من الحكم الصادر في موضوع النازلة قصد التنفيذ، حيث يعمد هذا الأخير إلى تطبيق الإجراءات اللازمة والتي تختلف باختلاف نوعية التعرض.
ومن خلال اطلاعي على العمل القضائي بخصوص التعرضات نميز بين الأحكام القضائية الصادرة بخصوص التعرضات الكلية ثم بين تلك الصادرة بخصوص التعرضات على واجبات مشاعة والتعرضات على قطعة مفرزة وأخيرا تلك المتعلقة بالتعرضات المنعكسة تلقائيا والتعرضات المتبادلة.
- تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالتعرضات الكلية
في بداية الأمر لا بد من التمييز بين تنفيذ الأحكام القاضية بصحة التعرض الكلي وبين تلك الخاصة بعدم صحة التعرض الكلي.فإذا كان التعرض كليا وحكم بصحته، مثل هذه الحالة تعرض إليها القضاء في قرار صادر عن محكمة النقض الصادر بتاريخ 29 يناير 2013[209]الذي جاء فيه:” أن حيازة المتعرض للعقار موضوع التحفيظ يجعل عبء إثبات استحقاقه على طالب التحفيظ والمحكمة لما لم تثبت لها ملكية جد طالب التحفيظ للملك وبقائه على الشياع لورثته من بعده قضت وعن صواب بصحة تعرض المتعرض. وبالتالي رفض طلب طالب التحفيظ”. في هاته الحالة، المحافظ على الأملاك العقارية يلغي مطلب التحفيظ الأصلي ويقوم باستدعاء طالب التحفيظ للحضور بالمحافظة العقارية لتسليم الوثائق المودعة من طرفه، كما يقوم باستدعاء المتعرض المحكوم لفائدته لحثه على التقدم بمطلب تحفيظ الملك وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها في الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14،[210] وتتضح أهمية التقدم بمطلب تحفيظ جديدانإلى المحافظ على الأملاك العقارية، الذي لا يمكنه إقامة رسم عقاري لنفس العقار إلا إذا تقدم المتعرضون المستفيدون من الحكم بمطلب تحفيظ يخصهم، فقد جاء في قرار لمجلس الأعلى سابقا(محكمة النقض حاليا) ما يلي:” يحق للمتعرض الذي قضى له القضاء بصحة تعرضه أن يباشر تحفيظ الملك الذي قضى له باستحقاق ضد طالب التحفيظ.
يصبح المتعرض طالبا للتحفيظ إن تقدم بمطلب التحفيظ بعد أن قضى الحكم بصحة تعرضه وإلا قام المحافظ برفض المطلب، وأصبح العقار غير محفظ يخضع لمطلب التحفيظ المقدم لمن قضى بصحة تعرضه لإجراءات الفصل 13 من ظ. ت. ع يكون أجل التعرض أربعة أشهر بعد نشر هذا المطلب في الجريدة الرسمية والتعليق والقيام بالاستدعاءات القانونية[211].
أما إذا كانت التعرضات كلية، وحكم بعدم صحتها، ومن الأمثلة على ذلك قرار لمحكمة النقض الذي جاء فيه:” أن إبرام عقد البيع مع بقاء البائع من جيران الملك يمكن أن يكون أساسا للتعرض على مطلب تحفيظ العقار إذا من التحديد النهائي للعقار أن مساحته أكبر من المساحة المصرح بها في العقد.إنجاز البائع بعد ذلك إشهادا غير مطعون فيه بأنه لم يعد من جيران الملك المبيع معناه أنه لم يعد يملك فيه شيئا حتى لو تبين أن المساحة هي أكبر مما هو مصرح به في العقد.ليس للبائع التعرض على التحفيظ بسبب ذلك إذ لا يملك في الحالة الأخيرة إلا المطالبة بالفرق في الثمن طبقا للفصل 528 من ق. ل. ع [212].
في هذه الحالة المحافظ على الأملاك العقارية يقوم بإلغاء التعرضات المسجلة لديه إسنادا إلى الحكم الصادر، ثم يقوم تبعا لذلك بإتمام الإجراءات التي كان قد بدأها عند تقديم مطلب التحفيظ لفائدة طالبة، وستبقى الإجراءات صحيحة ما لم يدخل عليها صاحب الشأن تعديلا، وفي هذه الحالةسيكون الحكم الصادر بمثابة الأداة التي مهدت لإنشاء الرسم العقاري بعد تصفية النزاع الذي كان قائما بين المتعرض وطالب التحفيظ[213].
- تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالتعرضات على واجبات مشاعة
في الحالة التي تكون فيها التعرضات على واجبات مشاعة، وحكم بصحتها، كما في قرار لمحكمة النقض الذي جاء فيه:” إقرار طالب التحفيظ، بأن أصل الملك يعود لجده الذي هو والد المتعرض، يعفي هذا الأخير من إثبات ذلك، ويعطي المحكمة صلاحية مناقشة حجج طالب التحفيظ وما اعتمده لإثبات اختصاص موروث هبه. والمحكمة لما قضت بصحة التعرض جزئيا في حدود نصيب المتعرض إرثا في الملك موضوع المطلب على أساس ان القسمة الموجودة قسمة انتفاعية لا غير لم تخرق الفصل 37 من ظ. ت. ع “[214].
وهذه الحالة فالمحافظ يحرص على إقامة مطلب تعديلي يقبل فيه المتعرضين سابقا بصفتهم مطالبين مشاركين، وذلك بناء على طلب ذوي الشأن، هذا المطلب التعديلي يثير بدوره إمكانية حصول التعرضات، ونتيجة لهذا يتم إصدار خلاصة إصلاحية بالجريدة الرسمية وذلك بإضافة اسم المحكوم له كأحد طالبي التحفيظ بالنسبة للأجزاء المحكوم بها، مع إصدار جديد لانتهاء التحديد بالجريدة الرسمية لفتح المجال لكل مدع لتقديم تعرضه باستثناء المحكوم ضده، في حدود الحقوق المحكوم له فقط.
بيد أن في حالة التعرضات على الحقوق المشاعة قد حكم بعدم صحتها، فإن المحافظ يقوم بتشطيب عليه، ويتم تأسيس الرسم العقاري باسم طالب التحفيظ ويلغي التعرض[215].
- تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالتعرضات على قطعة مفرزة
إذا كان التعرض منصبا على قطعة مفرزة وحكم بصحة تعرضه فإن الجزء غير المتعرض عليه، يحفظ باسم طالب التحفيظ، ويستدعي المتعرض لحثه على تقديم مطلب التحفيظ طبقا للفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14.
أما إذا حكم بعدم صحة التعرض، فإن المحافظ يقوم بتأسيس السم العقاري باسم طالب التحفيظ ويلغي التعرض. فالمحافظ في هذه الحالة يقوم بإخراج القطعة المحكوم بصحة التعرض الواقع عليها في الملف، وذلك بعد إجراء تحديد تكميلي مطبقا بذلك قرار المحكمة، ثم يقوم بإعداد رسم عقاري عن الباقي، وبذلك تفقد القطعة المستخرجة صفة الأرض التي هي في طور التحفيظ، وتنفصل عن المطلب الأصلي للتحفيظ، وهنا يمكن للمتعرض أن يطلب تحفيظ الجزء المستخرج لفائدته حسب مقتضيات الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14، غير أنه لا يمكن اعتبار الحكم الصادر لفائدة المتعرض بمثابة مطلب ضمني للتحفيظ.[216]
ونشير في الأخير إلى أن المتعرض الذي حكم بصحة تعرضه إذا كان سيستفيد من الحكم الصادر لفائدته، فإن هذا لا يعفيه من اتباع الإجراءات القانونية المنصوص عليها، إذ أن مطلبه يمكن أن يكون بدوره موضوع تعرض من طرف الغير.
- تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالتعرضات المتبادلة
بخصوص تنفيذ الأحكام النهائية المتعلقة بالتعرضات المتبادلة من طرف المحافظ العقاري ينبغي التمييز بين نوعين من التعرضات المتبادلة كليا أو جزئيا.
فطريقة تنفيذ الأحكام الصادرة بشأن هذين النوعين تختلف من نوع لأخر، فهناك الأحكام الخاصة بالتعرضات المتبادلة كليا نجدها لا تخرج عن حالتين:
الحالة الأولى: تختص بصحة الأحكام الخاصة القاضية بصحة التعرض الكلي المتبادل، ففي هذه الحالة فإن تطبيق الحكم القضائي يقتضي من المحافظ إلغاء مطلب التحفيظ، كما يعمل المحافظ العقاري على استدعاء المتعرض المحكوم لفائدته لحثه على تقديم الوثائق المتعلقة بتحفيظ الملك قصد تنفيذ الحكم المتعلق بالتعرض المتبادل تطبيقا لمقتضيات الفصل 37 من ظ. ت. ع، كما جاء في قرار لمحكمة النقض وهو ينقض قرار لمحكمة الاستئناف ببولمان قضت فيه بعدم صحة التعرض الكلي المتبادل من طرف ناظر الأوقاف، حيث جاء في حيثياته [217]:”…. إن الطاعنة تمسكت بالحيازة الطويلة الهادئة، وبالتصرف في المدعى فيه عن طريق إكرائه للغير، وأن الحيازة تعد قرينة قانونية على الملك ولا يتنزع بها شيء من يد الحائز إلا بحجج أقوى الأمر الذي يعتبر معه القرار الاستئنافي والقاضي بعدم صحة التعرض الكلي المتبادل معللا تعليلا فاسدا وغير مرتكز على أساس قانوني وخرق للقواعد الفقهية مما عرضه بالتالي للنقض والإبطال،[218] ولذلك وبعد إحالة القضية من جديد على محكمة الاستئناف ببولمان فإنه لا محال أن المحكمة ستقضي بصحة تعرض ناظر أوقاف المدنية وبالتالي إحالة الملف على المحافظ الذي عليه تنفيذه وفق الخطوات المذكورة سابقا.
الحالة الثانية: الحكم القاضي بعدم صحة التعرض الكلي المتبادل، يقوم المحافظ بالتشطيب على التعرضات ويحفظ الملك باسم طالب التحفيظ. أما إذا كان التعرض المتبادل جزئيا فقط فالمحافظ يقوم بتحرير محضر بالمكتب لوصف القضية الجديدة على ضوء ما قضت به الأحكام المحالة عليه، حيث يعمد إلى تحفيظ الملك المحكوم به لفائدة المستفيد من الحكم، ويقوم بتحفيظ الملك المحكوم ضده في حدود المساحة المتبقية[219].
- تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالتعرضات المنعكسة تلقائيا
بالنسبة للتعرضات المنعكسة تلقائيا، يجب التمييز فيها بين التعرضات المنعكسة تلقائيا بصفة كليا وبين تلك التعرضات المنعكسة تلقائيا على واجبات مشاعة والتعرضات المنعكسة تلقائيا بشأن قطعة مفرزة.
التعرض المنعكس تلقائيا بصفة كليا:في حالة الحكم بصحة التعرض المنعكس كليا، فالمحافظ يقوم بإلغاء المطلبين معا، ويستدعي المتعرض لإيداع مطلب تحفيظ وفق الشروط والشكليات المنصوصة عليها في الفصل 83 من ظ. ت. ع الذي تمم وعدل بالقانون رقم 07-14.
وفي حالة الحكم بعدم صحة التعرض المنعكس كليا، فالمحافظ يشطب على التعرض، ويحفظ الملك لفائدة المستفيد من الحكم، ويقوم بإلغاء المطلب الأخر.
التعرض المنعكسة تلقائيا على واجبات مشاعة :نتصور مطلب التحفيظ (1) ومطلب التحفيظ (2) في تعرض متبادل فيتقدم شخص بتعرضه مطالبا بحقوق مشاعة على المطلب (1) الذي ينعكس تلقائيا على المطلب (2).ففي حالة الحكم بصحة التعرض المتبادل الذي يشكله المطلب (2) على المطلب (1) فالمحافظ العقاري يلغي المطلب (2) ويتم إصدار خلاصة إصلاحية للمطلب (1) مع إدخال المتعرض المحكوم له في حدود الحصة المحكوم بصحتها، وهذا مع إصدار إعلان جديد لانتهاء التحديد، بينما يتم التشطيب على التعرض في حالة الحكم لعدم صحته مع إلغاء المطلب المحكوم بعدم صحة التعرض المتبادل الذي يشكله ضد المطلب الأخر، حيث يتم تحفيظ هذا الأخير[220].
التعرض المنعكسة تلقائيا بشأن قطعة مفرزة: نفترض أن هناك مطلب التحفيظ (1) ومطلب التحفيظ (2) ولكن التعرض يهم قطعة مفرزة، ففي حالة الحكم بصحة التعرض، وعدم صحة التعرض المتبادل الذي يشكله المطلب (2) على المطلب (1) فالمحافظ على الأملاك العقارية يقوم بالتشطيب على التعرض ويلغي المطلب (2) ويتم تأسيس رسم عقاري جديد وفق لما ذكر، ثم تحفيظ الملك موضوع المطلب (1) في حدود المساحة المتبقية.كما يستدعي كل من صاحب المطلب (2) لسحب الوثائق المحكومة لفائدته قصد إيداع تحفيظ بالنسبة للقطعة المحكوم بها وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها في الفصل 83 المذكور.
هذه هي مجمل الإجراءات المتبعة على صعيد المحافظات العقارية بعد إرجاع ملفات التحفيظ إليها من لدن المحكمة التي تبت في التعرضات بعد أن تصبح أحكامها نهائية.
الفقرة الثانية: دور المحافظ في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ما بعد التحفيظ
إن اتخاذ المحافظ العقاري قرار التحفيظ لا يعني منع العقار من التعامل به، وإنما الغرض هو تسهيل تداول هذا العقار وبالتالي فإن كثيرا من الحقوق العينية العقارية الواقعة على عقار محفظ لا تعتبر موجودة إلا إذا تم تقييدها بالرسم العقاري وعملية التقييد هاته ليس لها الصفة النهائية المعطاة للتحفيظ بحيث يمكن أن يكون التقييد عرضه للتشطيب.
ودائما في إطارالحديث عن المحافظ العقاري كجهة تنفيذية، فإننا نتساءل كيفية تعامله مع الأحكام والأوامر القضائية المتعلقة بالتقييد ( أولا) ثم تلك المتعلقة بالتشطيب (ثانيا).
أولا: تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في قضايا التقييد
يقصد بالتقييد إشهار الحقوق المكتسبة على عقارات محفظة وكذا الأحداث الطارئة عليها وعلى ملاكيها وذلك بالرسوم العقارية المعنية بالأمر، ويعتبر هذا الإشهار إجراءا قانونيا وشرطا أساسيا وجوهريا للاعتراف بتلك الحقوق والأحداث وإعطائها حجيتها وقوتها الثبوتية فالتقييد هو وسيلة لصيانة حقوق الناس من الضياع ويهدف إلى تحقيق الأمن العقاري لذلك المحافظ ملزم بتنفيذ القرارات والأوامر الخاصة بالتقييد لكن هذه الأوامر والأحكام تثير العديد من الإشكاليات على المستوى العملي لهذا سأتطرق لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مادة التقييدات[221]، والتي يتحمل المحافظ العقاري مسؤولية خطيرة بخصوص التقييدات التي يضمنها بالسجلات العقارية وينبغي أن يكون بأمر منه، وتحت مسؤوليته هو الذي يقوم بتنفيذ الأحكام الخاصة بالتقييذات سواء منها التقييد النهائي أو التقييذ الاحتياطي.
- التقييذ النهائي:
بالرجوع إلى الفصلين 66 و 67 من ظ. ت. ع المتمم والمعدل بقانون 07-14 يتبين أن أهمية التقييد تكمن في كون جل التصرفات الواردة على الحقوق العينية لا يكون لها أي أثر سواء بين الأطراف أو في مواجهة الغير إلا بتقييدها في الرسم العقاري وابتداء من تاريخ هذا التقييد.بالإضافة إلى أن الفصل 65 من قانون 07-14 ينص على أنه :” يجب أن تشهر، بواسطة التقييد في الرسم العقاري…..وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به…..”[222]. والسؤال المطروح هو كيف سينفذ المحافظ العقاري الأحكام القاضية بتقييد حكم نهائي؟
فبعد وصول الحكم النهائي إلى المحافظ العقاري قصد تنفيذه فإنه عليه أن يقوم بتنفيذ المطلوب منه، وهكذا إذا قضى الحكم مثلا بثبوت صفة شخص من إرث المالك لعقار محفظ يتعين على المحافظ تقييذ الإراثة التي حكمت المحكمة بصحتها، وإذا قضى الحكم لشخص بالشفعة،[223] وجب على المحافظ التشطيب على المشفوع منه بالرسم العقاري، وتقييذ الشفيع محله في حدود الأجزاء المحكوم بشفعتها، ومن الأحكام القضائية القاضية بتقييذ حق عيني بناء على حكم، وذلك بناءا على قرار لمحكمة النقض على ما يلى:” لما كان المحافظ جهة إدارية لتنفيذ الأحكام القضائية بالرسوم العقارية فإن تقييده لعقد البيع بناء على ما تضمنه منطوق حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به يكون معه قراره بالتقييد قد تم في إطار سلطته المخولة له قانونا ما دامت المحكمة قد تأكدت من عدم تغييره لما تضمنه الحكم موضوع التقييد أو تعديله أو زيادة فيه”[224].
كما جاء في قرار أخر لمحكمة النقض:” قيام المحافظ بتسجيل أي حق على الرسم العقاري يفرض عليه التحقق من كون المراد تقييده لا يتعارض مع التقييد المسجل بهذا الرسم عملا بمقتضيات الفصل 74 من ظ. ت. ع، وعليه إذا كانت الوضعية القانونية للعقار تتعارض مع الطلب الرامي إلى تسجيل إراثة الموروث، الذي لم يبق مالكا للعقار، فإنه من حق المحافظ رفض تسجيل الإراثة من تلقاء نفسه ولا يعد تجاوز لصلاحيته.ومادامت الدعوى تهدف فقط إلى إلغاء هذا قرار المحافظ على الأملاك العقارية طبقا للفصل 96 من ظ.ت. ع فإنه يكفي توجيهها إلى هذا الأخير ولا موجب لإدخال كافة أطراف النزاع في الدعوى”[225].
ويستنتج من خلال القرارات محكمة النقض، في هذا الشق أن المحافظ له كامل السلطات في تنفيذ الأحكام القاضية بالتقييد أو عدم التقييد وعلى من يهمه الأمر الطعن في قرار المحافظ أمام المحكمة الإدارية.
- التقييذ الاحتياطي:
التقييد كما يكون نهائيا يمكن أن يكون احتياطيا أي مؤقتا فالفقرة الأولى من الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14تنص على ما يلي:” يمكن لكل من يدعي حقا احتياطيا للإحتفاظ به مؤقتا….” وعليه فالتقييد الإحتياطي وإن كان لا يعطي أي حق للمستفيد منه، إلا أنه مع ذلك يحفظ الحق بصفة مؤقتة إلى حين استفاء الشروط الكاملة لجعل الحق قابلا لتقييد، في انتظار استكمال هذه الحقوق كافة الشروط المتطلبة قانونا قصد تقييدها بصفة نهائية، سواء عن طريقزوال الموانع المضمنة بالرسم العقاري المعني والتي تحول دون إجراء التقييد النهائي، أو صدور حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به يجيز التقييد[226].
وتجدر الإشارة أن الحقوق المتعلقة بالعقارات المحفظة وحدها يكمن أن تكون موضوع تقييد احتياطي، وهذا ما يستنتج بكل وضوح من مقتضيات الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل والمتمم بقانون 07/14.
ولقد تم تقرير حالة التقييد الاحتياطي بأمر من رئيس المحكمة بواسطة الفصلين 85 و 86 التقييد الإحتياطي بناء على أمر حدد في ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صدوره وليس من تاريخ تقييده، والتشطيب عليه بعد انصرام المدة المذكورة، وكذلك إمكانية تمديد التقييد الاحتياطي بناء على أمر استنادا إلى أمر أخر صادر عن رئيس المحكمة الإبتدائية، شريطة تقديم دعوى في الموضوع واستمرار مفعول هذا التمديد إلىغاية انتهاء هذا النزاع، وهذا ما تؤكده مذكرة المحافظ العام رقم 12277 الصادر بتاريخ دجنبر 2011.[227]
ويجب أن يحتوي طلب التقييد الاحتياطي على عرض موجز للوقائع وأن يشير بدقة إلى موضوع الإجراءات المطلوبة، مع بيان الأسباب التي تمنع تقييد الحق تقييدا نهائيا، وقبول الطلب لا يستلزم التعليل مبدئيا، أما رفضه فيستوجب التعليل، لأن التقييد يهمه معرفة أسباب الرفض حتى يمكنه استئنافه إن شاء أمام محكمة الإستئناف داخل أجل 15 يوما من يوم النطق به تطبيقا للفقرة الثانية من الفصل 148 من ق.م. م.[228]
ويكون الأمر القضائي الحامل للتاريخ والتوقيع بصفة قانونية قابلا للتنفيذ المعجل فور صدوره بدون التنصيص على ذلك وبدون تضمين صيغة التنفيذ، وحين صدور الأمر فإن طالب التقييد الإحتياطي أن يقدمه مباشرة إلى المحافظ العقاري للعمل على تقييده[229].
ويكون على المحافظ العقاري أن يتاكد تحت مسؤوليته من أن القرار المعتمد عليه صادرا فعلا عن رئيس المحكمة الإبتدائية المختصة، وأنه مستوف لكل الشروط الشكلية، وأنه يتعلق بحق قابل للتقييد الإحتياطي، وبالعقار المعني بالأمر ذاته وأنه موجه في مواجهة المالك المقيد بالرسم العقاري نفسه.
وليس ضروريا أن يكون التقييد اللإحتياطي في هذه الحالة مسبوقا بتقييد احتياطي بموجب سند، فقد يكون في إطار تمديد التقييد الإحتياطي، وقد لا يكون، وما على المحافظ العقاري إلا أن يقبله إذا توفرت شروطه الأخرى.
ثانيا: تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالتشطيب
بالرجوع إلى الفصل 91 من ظ.ت .ع المتمم والمعدل بقانون 07-14 نجده ينص[230]:” أنه يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم لقوة الشيء المقتضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين، في مواجهة الأشخاص الذي يعنيهم هذا الحق”.
والتشطيب لا يمكن أن يتم إلا باستناد إلى أحد السببين: إما بموجب عقد صحيح أو بموجب حكم قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به وإذا استصدر حكم قضائي قاضي بالتشطيب وكان هذا الحكم حائز لقوة الشيء المقضي به هنا يجب على المحافظ العقاري تنفيذ هذا الحكم (أ) وقد يكون التشطيب كذلك بمقتضى أوامر قضائية والمحافظ كذلك في هذه الحالة ملزم بتنفيذ هذه الأوامر(ب).
- تنفيذ الأحكام الموضوعية القاضية بالتشطيب
تعتبر الأحكام القاضية بالتشطيب على حقوق المسجلة لها طبيعة مزدوجة، فهي غالبا ما تقضي بالتشطيب على حق وتأمر بتقييد حق أخر بدلا عنه، فقد يتم إدراج إراثة ينقصها أحد الورثة ويطعن هذا الأخير في هذه الإراثة أمام المحكمة المختصة ويدلي أمامها بالإراثة الصحيحة فتقضي المحكمة بالتشطيب على الإراثة الناقصة ونأمر المحافظ على الأملاك العقارية بتقييد الإراثة الصحيحة عند صيرورة الحكم نهائيا، حيث جاء في قرار صادر عن محكمة النقض جاءفيه ما يلي[231]:” مادامت الإراثة المدلى بها من طرف المنزل جامعة لكافة الورثة فهي مقدمة على الإراثة الناقصة، لأنها استندت على رسم التنزيل، وأن عدم قيام المنزل بدعواه بعد تسجيل الإراثة المراد التشطيب عليها بعد مدة، لا يعدم صفته في طلب التشطيب على الإراثة الناقصة وتسجيل إراثته، باعتبار أن التسجيل في الرسم العقاري لا يطاله التقادم”.
والملاحظ من خلال الأحكام القضائية التي تلزم المحافظ بإجراء تشطيب معين والتي يكون ملزم بتنفيذها، غالبا ما يستعمل فيها أسلوب الأمر بغية إلزام المحافظ باتخاذ إجراء المتعين وفقا لما يقضي به الحكم فحين نجد بعض المحاكم تميل إلى إستعمال عبارة الإذن بدل الأمر وهذا إن دل على شيء فإنما يدل في الحقيقة على التردد الذي يطبع موقف القضاء بصفة عامة.
- تنفيذ الأوامر القضائية القاضية بالتشطيب
إن الأوامر القضائية القاضية بالتشطيب على التقييد الاحتياطي الذي يتصف بطابع التوقيت، لهذا قيل عنه أنه مجرد إشارة بالتقييد ولذلك فلا يمكن أن يبقى التقييد الإحتياطي مقيدا بصفة أبدية بل لا بد أن يتم إلغاؤه أو التشطيب عليه خلال مدة معينة.[232]
وبالتالي فالأمر بالتشطيب على التقييد الإحتياطي، وبعد أن يكتسب قوة الشيء المقضي به، يقدم للمحافظ على الأملاك العقارية، الذي يقوم بتنفيذه بعد التأكد من أداء الرسوم الواجبة، ومن اكتسابه لقوة الشيء المقضي به، ومن صحة توفر جميع البيانات المتطلبة قانونا، ليقوم بذلك بالتشطيب على التقييد الإحتياطي، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي[233]:” مادامت دعوى إتمام البيع التي على أساسها تم إدراج التقييد الإحتياطي بناء على مقالها صدر بشأنها حكم انتهائي حائز لقوة الشيء المقضي به فإن الطعن فيه بالنقض لا يحول دون اللجوء إلى قاضي المستعجلات للتشطيب عليه”. ثم جاء في قرار أخر صادر عن محكمة النقض:” التقييد الإحتياطي المبني على مقال الدعوى، يمنع على المحافظ التشطيب عليه تلقائيا إلا بعد صدور الحكم فيها بصفة لا تقبل الرجوع”[234].
ونطلاقا من الأثر الإنشائي المعمول به في إنشاء وإنهاء الحقوق المنصبة على العقار المحفظ، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 65 من ظ. ت. ع الذي غير وتمم بمقتضي قانون 07-14، وأيضا استنادا إلى ما هو منصوص عليه من خلال الفصل 91 من قانون 07-14 المتعلق بالتحفيظ العقاري، الذي أعطي للمحافظ العقاري سلطة التشطيب على الحقوق المرتبطة بصك العقاري وذلك على عقد أو حكم متبث لانقضاء هذه الحقوق.